responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3170
تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» .. «أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا» وهو الملك «فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ» بالطرق التي وردت عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم.
الأولى: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه كما قال- صلّى الله عليه وسلّم: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» .. والثانية:
أنه كان- صلّى الله عليه وسلّم- يتمثل له الملك رجلا، فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول. والثالثة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد، وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إن كان راكبها، ولقد جاء الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها. والرابعة: أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه. وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم [1] .
هذه صور الوحي وطرق الاتصال.. «إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ» .. يوحي من علو، ويوحي بحكمة إلى من يختار..
وبعد فإنه ما من مرة وقفت أمام آية تذكر الوحي أو حديث، لأتأمل هذا الاتصال إلا أحسست له رجفة في أوصالي.. كيف؟ كيف يكون هذا الاتصال بين الذات الأزلية الأبدية التي ليس لها حيز في المكان ولا حيز في الزمان، المحيطة بكل شيء، والتي ليس كمثلها شيء. كيف يكون هذا الاتصال بين هذه الذات العلية وذات إنسان متحيزة في المكان والزمان، محدودة بحدود المخلوقات، من أبناء الفناء؟! ثم كيف يتمثل هذا الاتصال معاني وكلمات وعبارات؟
وكيف تطيق ذات محدودة فانية أن تتلقى كلام الله الأزلي الأبدي الذي لا حيز له ولا حدود؟ ولا شكل له معهود؟
وكيف؟ وكيف؟ ..
ولكني أعود فأقول: وما لك تسأل عن كيف؟ وأنت لا تملك أن تتصور إلا في حدود ذاتك المتحيزة القاصرة الفانية؟! لقد وقعت هذه الحقيقة وتمثلت في صورة. وصار لها وجود هو الذي تملك أن تدركه من وجود.
ولكن الوهلة والرجفة والروعة لا تزول! إن النبوة هذه أمر عظيم حقا. وإن لحظة التلقي هذه لعظيمة حقا.
تلقي الذات الإنسانية لوحي من الذات العلوية.. أخي الذي تقرأ هذه الكلمات، أأنت معي في هذا التصور؟! أأنت معي تحاول أن تتصور؟! هذا الوحي الصادر من هناك. أأقول: هناك؟! كلا. إنه ليس هناك «هناك» ! الصادر من غير مكان ولا زمان، ولا حيز ولا حد ولا جهة ولا ظرف. الصادر من المطلق النهائي، الأزلي الأبدي، الصادر من الله ذي الجلال إلى إنسان.. إنسان مهما يكن نبيا رسولا، فإنه هو هذا الإنسان ذو الحدود والقيود.. هذا الوحي. هذا الاتصال العجيب. المعجز. الذي لا يملك إلا الله أن يجعله واقعة تتحقق، ولا يعرف إلا الله كيف يقع ويتحقق.. أخي الذي تقرأ هذه الكلمات. هل تحس ما أحس من وراء هذه العبارات المتقطعة التي أحاول أن أنقل بها ما يخالج كياني كله؟ إنني لا أعرف ماذا أقول عما يخالج كياني كله من الروعة والرجفة وأنا أحاول أن أتصور ذلك الحدث العظيم العجيب الخارق في طبيعته، والخارق في صورته، الذي حدث مرات ومرات. وأحس بحدوثه ناس رأوا مظاهره رأي العين، على عهد رسول الله- صلّى الله

[1] عن «زاد المعاد» للإمام شمس الدين أبي عبد الله ابن قيم الجوزية.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3170
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست