نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3122
ولو قوبل بمثل فعله ازداد هياجا وغضبا وتبجحا ومرودا. وخلع حياءه نهائيا، وأفلت زمامه، وأخذته العزة بالإثم.
غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد. وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها. حتى لا يصور الإحسان في نفس المسيء ضعفا. ولئن أحس أنه ضعف لم يحترمه، ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقا.
وهذه السماحة كذلك قاصرة على حالات الإساءة الشخصية. لا العدوان على العقيدة وفتنة المؤمنين عنها.
فأما في هذا فهو الدفع والمقاومة بكل صورة من صورها. أو الصبر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وهذه الدرجة، درجة دفع السيئة بالحسنة، والسماحة التي تستعلي على دفعات الغيظ والغضب، والتوازن الذي يعرف متى تكون السماحة ومتى يكون الدفع بالحسنى.. درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان. فهي في حاجة إلى الصبر. وهي كذلك حظ موهوب يتفضل به الله على عباده الذين يحاولون فيستحقون:
«وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» ..
إنها درجة عالية إلى حد أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وهو الذي لم يغضب لنفسه قط وإذا غضب لله لم يقم لغضبه أحد. قيل له- وقيل لكل داعية في شخصه-:
«وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ..
فالغضب قد ينزغ. وقد يلقي في الروع قلة الصبر على الإساءة. أو ضيق الصدر عن السماحة. فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حينئذ وقاية، تدفع محاولاته، لاستغلال الغضب، والنفاذ من ثغرته.
إن خالق هذا القلب البشري، الذي يعرف مداخله ومساربه، ويعرف طاقته واستعداده، ويعرف من أين يدخل الشيطان إليه، يحوط قلب الداعية إلى الله من نزغات الغضب. أو نزغات الشيطان. مما يلقاه في طريقه مما يثير غضب الحليم.
إنه طريق شاق. طريق السير في مسارب النفس ودروبها وأشواكها وشعابها، حتى يبلغ الداعية منها موضع التوجيه ونقطة القياد!!!