responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3097
بهذه المهانة كما تسحب الأنعام والوحوش! وعلام التكريم؟ وقد خلعوا عن أنفسهم شارة التكريم؟! وبعد السحب والجر في هذا العذاب وفي هذه المهانة، ينتهي بهم المطاف إلى ماء حار وإلى نار:
«فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ» ..
أي يربطون ويحبسون، على طريقة سجر الكلاب. أي يملأ لهم المكان ماء حارا ونارا موقدة. وإلى هذا ينتهون.
وبينما هم في هذا العذاب المهين يوجه إليهم التبكيت والترذيل والإحراج والإعنات:
«ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟» ..
فيجيبون إجابة المخدوع الذي انكشفت له خدعته، وهو يائس حسير.
«قالُوا: ضَلُّوا عَنَّا. بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً» ..
غابوا عنا فلم نعد نعرف لهم طريقا، وما عادوا يعرفون لنا طريقا. بل لم نكن ندعو من قبل شيئا. فقد كانت كلها أوهاما وأضاليل! وعلى إثر الجواب البائس يجيء التعقيب العام:
«كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ» ..
ثم يوجه إليهم التأنيب الأخير:
«ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ. ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» ..
يا مغيث! وأين إذن كان السحب في السلاسل والأغلال، وكان الماء الحار والنار؟ يبدو أنها كانت مقدمة للدخول في جهنم للخلود.. «فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» .. فعن الكبر نشأت هذه المهانة. وجزاء على الكبر كان هذا التحقير! وأمام هذا المشهد. مشهد الذل والمهانة والعذاب الرعيب. وعاقبة الجدال في آيات الله، والكبر النافخ في الصدور.. أمام هذا المشهد وهذه العاقبة يتجه السياق إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يوصيه بالصبر على ما يجده من كبر ومن جدال، والثقة بوعد الله الحق على كل حال. سواء أراه الله بعض الذي يعدهم في حياته، أو قبضه إليه وتولى الأمر عنه. فالقضية كلها راجعة إلى الله، وليس على الرسول إلا البلاغ، وهم إليه راجعون:
«فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ» ..
وهنا نقف أمام لفتة تستحق التدبر العميق. إن هذا الرسول الذي يلاقي ما يلاقي من الأذى والتكذيب والكبر والكنود، يقال له ما مفهومه: أد واجبك وقف عنده. فأما النتائج فليست من أمرك. حتى شفاء صدره بأن يشهد تحقق بعض وعيد الله للمتكبرين المكذبين ليس له أن يعلق به قلبه! إنه يعمل وكفى. يؤدي واجبه ويمضي.
فالأمر ليس أمره. والقضية ليست قضيته. إن الأمر كله لله. والله يفعل به ما يريد.
يا لله! يا للمرتقى العالي. ويا للأدب الكامل. الذي يأخذ الله به أصحاب هذه الدعوة. في شخص رسوله الكريم.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3097
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست