نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3082
كانت من شدة الوقع بحيث لم يستطع فرعون ومن معه تجاهلها. فاتخذ فرعون لنفسه مهربا جديدا:
«وَقالَ فِرْعَوْنُ: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى. وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً. وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ» ..
يا هامان ابن لي بناء عاليا لعلي أبلغ به أسباب السماوات، لأنظر وأبحث عن إله موسى هناك «وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً» .. هكذا يموه فرعون الطاغية ويحاور ويداور، كي لا يواجه الحق جهرة، ولا يعترف بدعوة الوحدانية التي تهز عرشه، وتهدد الأساطير التي قام عليها ملكه. وبعيد عن الاحتمال أن يكون هذا فهم فرعون وإدراكه.
وبعيد أن يكون جادا في البحث عن إله موسى على هذا النحو المادي الساذج. وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور. إنما هو الاستهتار والسخرية من جهة. والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى. وربما كانت هذه خطة للتراجع أمام مطارق المنطق المؤمن في حديث الرجل المؤمن! وكل هذه الفروض تدل على إصراره على ضلاله، وتبجحه في جحوده: «وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ» ..
وهو مستحق لأن يصد عن السبيل، بهذا المراء الذي يميل عن الاستقامة وينحرف عن السبيل.
ويعقب السياق على هذا المكر والكيد بأنه صائر إلى الخيبة والدمار:
«وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ» ..
وأمام هذه المراوغة، وهذا الاستهتار، وهذا الإصرار ألقى الرجل المؤمن كلمته الأخيرة مدوية صريحة، بعد ما دعا القوم إلى اتباعه في الطريق إلى الله، وهو طريق الرشاد. وكشف لهم عن قيمة هذه الحياة الزائلة وشوقهم إلى نعيم الحياة الباقية وحذرهم عذاب الآخرة وبين لهم ما في عقيدة الشرك من زيف ومن بطلان:
«وَقالَ الَّذِي آمَنَ: يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ. يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ. مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها، وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ. وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ. تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ. لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ. فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ»
..
إنها الحقائق التي تقررت من قبل في صدر السورة، يعود الرجل المؤمن فيقررها في مواجهة فرعون وملئه.
إنه يقول في مواجهة فرعون:
«يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ» ..
وقد كان فرعون منذ لحظات يقول: «وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ» فهو التحدي الصريح الواضح بكلمة الحق لا يخشى فيها سلطان فرعون الجبار، ولا ملأه المتآمرين معه من أمثال هامان وقارون. وزيري فرعون فيما يقال.
ويكشف لهم عن حقيقة الحياة الدنيا: «إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ» .. متاع زائل لاثبات له ولا دوام.
«وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ» .. فهي الأصل وإليها النظر والاعتبار.
ويقرر لهم قاعدة الحساب والجزاء في دار القرار:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3082