responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3080
الأرض فهم أحق الناس بأن يحذروه، وأجدر الناس بأن يحسوه ويتقوه، وأن يبيتوا منه على وجل، فهو يتربص بهم في كل لحظة من لحظات الليل والنهار. ومن ثم يذكرهم بما هم فيه من الملك والسلطان، وهو يشير إلى هذا المعنى المستقر في حسه البصير. ثم يجمل نفسه فيهم وهو يذكرهم ببأس الله: «فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا؟» ليشعرهم أن أمرهم يهمه، فهو واحد منهم، ينتظر مصيره معهم وهو إذن ناصح لهم مشفق عليهم، لعل هذا أن يجعلهم ينظرون إلى تحذيره باهتمام، ويأخذونه مأخذ البراءة والإخلاص. وهو يحاول أن يشعرهم أن بأس الله إن جاء فلا ناصر منه ولا مجير عليه، وأنهم إزاءه ضعاف ضعاف.
هنا يأخذ فرعون ما يأخذ كل طاغية توجه إليه النصيحة. تأخذه العزة بالإثم. ويرى في النصح الخالص افتياتا على سلطانه، ونقصا من نفوذه، ومشاركة له في النفوذ والسلطان:
«قالَ فِرْعَوْنُ: ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ» ..
إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صوابا، وأعتقده نافعا. وإنه لهو الصواب والرشد بلا شك ولا جدال! وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب؟! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون؟! وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأيا؟! وإلا فلم كانوا طغاة؟! ولكن الرجل المؤمن يجد من إيمانه غير هذا ويجد أن عليه واجبا أن يحذر وينصح ويبدي من الرأي ما يراه. ويرى من الواجب عليه أن يقف إلى جوار الحق الذي يعتقده كائنا ما كان رأي الطغاة. ثم هو يطرق قلوبهم بإيقاع آخر لعلها تحس وتستيقظ وترتعش وتلين. يطرق قلوبهم بلفتها على مصارع الأحزاب قبلهم.
وهي شاهدة ببأس الله في أخذ المكذبين والطغاة:
«وَقالَ الَّذِي آمَنَ: يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ. مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ. وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ» ..
ولكل حزب كان يوم. ولكن الرجل المؤمن يجمعها في يوم واحد: «مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ» فهو اليوم الذي يتجلى فيه بأس الله.. وهو يوم واحد في طبيعته على تفرق الأحزاب.. «وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ» إنما يأخذهم بذنوبهم، ويصلح من حولهم ومن بعدهم بأخذهم بأيام الله.
ثم يطرق على قلوبهم طرقة أخرى، وهو يذكرهم بيوم آخر من أيام الله. يوم القيامة. يوم التنادي:
«وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ» ..
وفي ذلك اليوم ينادي الملائكة الذين يحشرون الناس للموقف. وينادي أصحاب الأعراف على أصحاب الجنة وأصحاب النار. وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة.. فالتنادي واقع في صور شتى. وتسميته «يَوْمَ التَّنادِ» تلقي عليه ظل التصايح وتناوح الأصوات من هنا ومن هناك، وتصور يوم زحام وخصام. وتتفق كذلك مع قول الرجل المؤمن: «يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ» ..
وقد يكون ذلك فرارهم عند هول جهنم، أو محاولتهم الفرار. ولا عاصم يومئذ ولات حين فرار. وصورة الفزع والفرار هي أولى الصور هنا للمستكبرين المتجبرين في الأرض، أصحاب الجاه والسلطان! «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ» .. ولعل فيها إشارة خفية إلى قولة فرعون: «وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ» ..
وتلميحا بأن الهدى هدى الله. وأن من أضله الله فلا هادي له. والله يعلم من حال الناس وحقيقتهم من يستحق الهدى ومن يستحق الضلال.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3080
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست