responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3073
«وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ» .. فالذي ينيب إلى ربه يتذكر نعمه ويتذكر فضله ويتذكر آياته التي ينساها غلاظ القلوب.
وعلى ذكر الإنابة وما تثيره في القلب من تذكر وتدبر يوجه الله المؤمنين ليدعوا الله وحده ويخلصوا له الدين، غير عابئين بكره الكافرين:
«فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» :
ولن يرضى الكافرون من المؤمنين أن يخلصوا دينهم لله، وأن يدعوه وحده دون سواه. ولا أمل في أن يرضوا عن هذا مهما لاطفهم المؤمنون أو هادنوهم أو تلمسوا رضاهم بشتى الأساليب. فليمض المؤمنون في وجهتهم، يدعون ربهم وحده، ويخلصون له عقيدتهم، ويصغون له قلوبهم. ولا عليهم رضي الكافرون أم سخطوا.
وما هم يوما براضين! ثم يذكر من صفات الله في هذا المقام الذي يوجه المؤمنين فيه إلى عبادة الله وحده ولو كره الكافرون. يذكر من هذه الصفات أنه سبحانه:
«رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ، يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ» ..
فهو- سبحانه- وحده صاحب الرفعة والمقام العالي، وهو صاحب العرش المسيطر المستعلي. وهو الذي يلقي أمره المحيي للأرواح والقلوب على من يختاره من عباده. وهذا كناية عن الوحي بالرسالة. ولكن التعبير عنه في هذه الصيغة يبين أولا حقيقة هذا الوحي، وأنه روح وحياة للبشرية، ويبين ثانيا أنه يتنزل من علو على المختارين من العباد.. وكلها ظلال متناسقة مع صفة الله «الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ» ..
فأما الوظيفة البارزة لمن يختاره الله من عباده فيلقي عليه الروح من أمره، فهي الإنذار:
«لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ» ..
وفي هذا اليوم يتلاقى البشر جميعا. ويتلاقى الناس وأعمالهم التي قدموا في الحياة الدنيا. ويتلاقى الناس والملائكة والجن وجميع الخلائق التي تشهد ذلك اليوم المشهود وتلتقي الخلائق كلها بربها في ساعة الحساب فهو يوم التلاقي بكل معاني التلاقي.
ثم هو اليوم الذي يبرزون فيه بلا ساتر ولا واق ولا تزييف ولا خداع:
«يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ» ..
والله لا يخفى عليه منهم شيء في كل وقت وفي كل حال. ولكنهم في غير هذا اليوم قد يحسبون أنهم مستورون، وأن أعمالهم وحركاتهم خافية، أما اليوم فيحسون أنهم مكشوفون، ويعلمون أنهم مفضوحون ويقفون عارين من كل ساتر حتى ستار الأوهام! ويومئذ يتضاءل المتكبرون، وينزوي المتجبرون، ويقف الوجود كله خاشعا، والعباد كلهم خضعا. ويتفرد مالك الملك الواحد القهار بالسلطان. وهو سبحانه متفرد به في كل آن. فأما في هذا اليوم فينكشف هذا للعيان، بعد انكشافه للجنان. ويعلم هذا كل منكر ويستشعره كل متكبر. وتصمت كل نأمة وتسكن كل حركة.
وينطلق صوت جليل رهيب يسأل ويجيب فما في الوجود كله يومئذ من سائل غيره ولا مجيب:
«لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟» .. «لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» ..
«الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ. لا ظُلْمَ الْيَوْمَ. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3073
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست