نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3056
على الغائب والحاضر، والباطن والظاهر. «أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» .. فهو وحده الحكم يوم يرجعون إليه. وهم لا بد راجعون.
وبعد هذا التلقين يعرض حالهم المفزعة يوم يرجعون للحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون:
«وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ. وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» ..
إنه الهول الملفوف في ثنايا التعبير الرهيب. فلو أن لهؤلاء الظالمين- الظالمين بشركهم وهو الظلم العظيم- لو أن لهؤلاء «ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» .. مما يحرصون عليه وينأون عن الإسلام اعتزازا به. «وَمِثْلَهُ مَعَهُ» .. لقدموه فدية مما يرون من سوء العذاب يوم القيامة..
وهول آخر يتضمنه التعبير الملفوف: «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ» ..
ولا يفصح عما بدا لهم من الله ولم يكونوا يتوقعونه. لا يفصح عنه ولكنه هكذا هائل مذهل مخيف.. فهو الله. الله الذي يبدو منه لهؤلاء الضعاف ما لا يتوقعون! هكذا بلا تعريف ولا تحديد!.
«وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» ..
وهذه كذلك تزيد الموقف سوءا. حين يتكشف لهم قبح ما فعلوا وحين يحيط بهم ما كانوا به يستهزئون من الوعيد والنذير. وهم في ذلك الموقف الأليم الرعيب..
وبعد هذا المشهد المعترض لبيان حالهم يوم يرجعون إلى الله الذي به يشركون، والذي تشمئز قلوبهم حين يذكر وحده، وتستبشر حينما تذكر آلهتهم المدعاة. بعد هذا يعود إلى تصوير حالهم العجيب. فهم ينكرون وحدانية الله. فأما حين يصيبهم الضر فهم لا يتوجهون إلا له وحده ضارعين منيبين. حتى إذا تفضل عليهم وأنعم راحوا يتبجحون وينكرون:
«فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا. ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا، قالَ: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ. بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ..
والآية تصور نموذجا مكررا للإنسان، ما لم تهتد فطرته إلى الحق، وترجع إلى ربها الواحد، وتعرف الطريق إليه، فلا تضل عنه في السراء والضراء.
إن الضر يسقط عن الفطرة ركام الأهواء والشهوات، ويعريها من العوامل المصطنعة التي تحجب عنها الحق الكامن فيها وفي ضمير هذا الوجود. فعندئذ ترى الله وتعرفه وتتجه إليه وحده. حتى إذا مرت الشدة وجاء الرخاء، نسي هذا الإنسان ما قاله في الضراء، وانحرفت فطرته بتأثير الأهواء. وقال عن النعمة والرزق والفضل: «إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ» .. قالها قارون، وقالها كل مخدوع بعلم أو صنعة أو حيلة يعلل بها ما اتفق له من مال أو سلطان. غافلا عن مصدر النعمة، وواهب العلم والقدرة، ومسبب الأسباب، ومقدر الأرزاق.
«بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ..
هي فتنة للاختبار والامتحان. ليتبين إن كان سيشكر أو سيكفر وإن كان سيصلح بها أم سيفسد وإن كان سيعرف الطريق أم يجنح إلى الضلال.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3056