responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3049
فهو يضله بما يعلمه من حقيقته المستقرة على الضلال، التي لا تقبل الهدى ولا تجنح إليه بحال.
ثم يعرض ما ينتظر أهل الضلال يوم القيامة في مشهد بائس في موعد حصاد الأعمال! «أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ؟ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ» ..
والإنسان يقي وجهه عادة بيديه وجسمه. فأما هنا فهو لا يملك أن يدفع عن نفسه النار بيديه ولا برجليه، فيدفعها بوجهه، ويتقي به سوء العذاب. مما يدل على الهول والشدة والاضطراب. وفي زحمة هذا العذاب يتلقى التأنيب، وتدفع إليه حصيلة حياته ويا لها من حصيلة: «وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ: ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ» ! ويلتفت من هذا المشهد إلى الحديث عن المكذبين الذين يواجهون محمدا- صلّى الله عليه وسلّم- ليعرض عليهم ما جرى للمكذبين قبلهم لعلهم يتداركون أنفسهم:
«كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» ..
فهذه حال المكذبين في الدنيا والآخرة. في الدنيا أذاقهم الله الخزي. وفي الآخرة ينتظرهم العذاب الأكبر.
وسنة الله ماضية لا تتخلف. ومصارع القرون من قبلهم شاهدة. ووعيد الله لهم في الآخرة قائم. والفرصة أمامهم سانحة. وهذا الذكر لمن يتعظ ويذكر «لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» ! «وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ، هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ..
يضرب الله المثل للعبد الموحد والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضا فيه، وهو بينهم موزع ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه! وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه، ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح..
«هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا؟» ..
إنهما لا يستويان. فالذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين. وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه، ووضوح الطريق. والذي يخضع لسادة متشاكسين معذب مقلقل لا يستقر على حال ولا يرضي واحدا منهم فضلا على أن يرضي الجميع! وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك في جميع الأحوال. فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يقطع الرحلة على هذه الأرض على هدى، لأن بصره أبدا معلق بنجم واحد على الأفق فلا يلتوي به الطريق.
ولأنه يعرف مصدرا واحدا للحياة والقوة والرزق، ومصدرا واحدا للنفع والضر، ومصدرا واحدا للمنح والمنع، فتستقيم خطاه إلى هذا المصدر الواحد، يستمد منه وحده، ويعلق يديه بحبل واحد يشد عروته. ويطمئن اتجاهه إلى هدف واحد لا يزوغ عنه بصره. ويخدم سيدا واحدا يعرف ماذا يرضيه فيفعله وماذا يغضبه فيتقيه.. وبذلك تتجمع طاقته وتتوحد، فينتج بكل طاقته وجهده وهو ثابت القدمين على الأرض متطلع إلى إله واحد في السماء..
ويعقب على هذا المثل الناطق الموحي، بالحمد لله الذي اختار لعباده الراحة والأمن والطمأنينة والاستقامة

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3049
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست