responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3047
في هذا المقطع من السورة لفتة إلى حياة النبات في الأرض عقب إنزال الماء من السماء وانتهائها إلى غايتها القريبة، وكثيرا ما يضرب هذا مثلا للحياة الدنيا في حقيقتها الزائلة- وتوجيه لأولي الألباب الذين يذكرون ويتدبرون ليتدبروا هذا المثل ويذكروه. وعلى ذكر إنزال الماء من السماء يشير إلى الكتاب المنزل من السماء كذلك لتحيا به القلوب وتنشرح له الصدور مع تصوير موح لاستجابة القلوب المفتوحة لهذا الكتاب، بخشية وقشعريرة ثم لين وطمأنينة. وتصوير كذلك لعاقبة المستجيبين لذكر الله، والقاسية قلوبهم من ذكر الله، وفي النهاية يتجه إلى حقيقة التوحيد، فيضرب مثالا لمن يعبد إلها واحدا ومن يعبد آلهة متعددة. وهما لا يستويان مثلا ولا يتفقان حالا. كما لا يستوي حال العبد الذي يملكه سادة متنازعون والعبد الذي يعمل لسيد واحد لا ينازعه أحد فيه! «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا، ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً؟ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ» .
إن هذه الظاهرة التي يوجه القرآن إليها الأنظار للتأمل والتدبر، ظاهرة تتكرر في أنحاء الأرض، حتى لتذهب الألفة بجدتها وما فيها من عجائب في كل خطوة من خطواتها. والقرآن يوجه النظر إلى رؤية يد الله وتتبع آثارها في كل خطوة من خطوات الحياة.
فهذا الماء النازل من السماء.. ما هو وكيف نزل؟ إننا نمر بهذه الخارقة سراعا لطول الألفة وطول التكرار. إن خلق الماء في ذاته خارقة. ومهما عرفنا أنه ينشأ من اتحاد ذرتي أيدروجين بذرة أكسوجين تحت ظروف معينة، فإن هذه المعرفة خليقة بأن توقظ قلوبنا إلى رؤية يد الله التي صاغت هذا الكون بحيث يوجد الأيدروجين ويوجد الأكسوجين وتوجد الظروف التي تسمح باتحادهما، وبوجود الماء من هذا الاتحاد. ومن ثم وجود الحياة في هذه الأرض. ولولا الماء ما وجدت حياة. إنها سلسلة من التدبير حتى نصل إلى وجود الماء ووجود الحياة. والله من وراء هذا التدبير، وكله مما صنعت يداه.. ثم نزول هذا الماء بعد وجوده وهو الآخر خارقة جديدة، ناشئة من قيام الأرض والكون على هذا النظام الذي يسمح بتكون الماء ونزوله وفق تدبير الله.
ثم تجيء الخطوة التالية لإنزال الماء:
«فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ» ..
سواء في ذلك الأنهار الجارية على سطح الأرض أو الأنهار الجارية تحت طباقها مما يتسرب من المياه السطحية، ثم يتفجر بعد ذلك ينابيع وعيونا، أو يتكشف آبارا. ويد الله تمسكه فلا يذهب في الأغوار البعيدة التي لا يظهر منها أبدا! «ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ» ..
والحياة النباتية التي تعقب نزول الماء وتنشأ عنه خارقة يقف أمامها جهد الإنسان حسيرا. ورؤية النبتة الصغيرة وهي تشق حجاب الأرض عنها وتزيح أثقال الركام من فوقها وتتطلع إلى الفضاء والنور والحرية وهي تصعد إلى الفضاء رويدا رويدا.. هذه الرؤية كفيلة بأن تملأ القلب المفتوح ذكرى وأن تثير فيه الإحساس بالله الخالق المبدع الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. والزرع المختلف الألوان في البقعة الواحدة. بل في النبتة الواحدة.
بل في الزهرة الواحدة إن هو إلا معرض لإبداع القدرة يشعر الإنسان بالعجز المطلق عن الإتيان بشيء منه أصلا! هذا الزرع النامي اللدن الرخص الطري بالحياة، يبلغ تمامه، ويستوفي أيامه:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3047
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست