نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3042
أرض ولا صديق ولا قريب، فأيما شركة قامت في القلب من هذا وأمثاله فهي اتخاذ أنداد لله، وضلال عن سبيل الله، منته إلى النار بعد قليل من المتاع في هذه الأرض:
«قُلْ: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا: إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ» ..
وكل متاع في هذه الأرض قليل مهما طال. وأيام الفرد على هذه الأرض معدودة مهما عمر. بل إن حياة الجنس البشري كله على الأرض لمتاع قليل، حين يقاس إلى أيام الله! وإلى جانب هذه الصورة النكدة من الإنسان، يعرض صورة أخرى.. صورة القلب الخائف الوجل، الذي يذكر الله ولا ينساه في سراء ولا ضراء والذي يعيش حياته على الأرض في حذر من الآخرة وفي تطلع إلى رحمة ربه وفضله وفي اتصال بالله ينشأ عنه العلم الصحيح المدرك لحقائق الوجود:
«أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً، يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ؟ قُلْ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» .
وهي صورة مشرقة مرهفة. فالقنوت والطاعة والتوجه- وهو ساجد وقائم- وهذه الحساسية المرهفة- وهو يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه- وهذا الصفاء وهذه الشفافية التي تفتح البصيرة. وتمنح القلب نعمة الرؤية والالتقاط والتلقي.. هذه كلها ترسم صورة مشرقة وضيئة من البشر تقابل تلك الصورة النكدة المطموسة التي رسمتها الآية السابقة. فلا جرم يعقد هذه الموازنة:
«قُلْ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟» ..
فالعلم الحق هو المعرفة. هو إدراك الحق. هو تفتح البصيرة. هو الاتصال بالحقائق الثابتة في هذا الوجود.
وليس العلم هو المعلومات المفردة المنقطعة التي تزحم الذهن، ولا تؤدي إلى حقائق الكون الكبرى، ولا تمتد وراء الظاهر المحسوس.
وهذا هو الطريق إلى العلم الحقيقي والمعرفة المستنيرة.. هذا هو.. القنوت لله. وحساسية القلب، واستشعار الحذر من الآخرة، والتطلع إلى رحمة الله وفضله ومراقبة الله هذه المراقبة الواجفة الخاشعة.. هذا هو الطريق، ومن ثم يدرك اللب ويعرف، وينتفع بما يرى وما يسمع وما يجرب وينتهي إلى الحقائق الكبرى الثابتة من وراء المشاهدات والتجارب الصغيرة. فأما الذين يقفون عند حدود التجارب المفردة، والمشاهدات الظاهرة، فهم جامعو معلومات وليسوا بالعلماء..
«إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» ..
وإنما يعرف أصحاب القلوب الواعية المتفتحة المدركة لما وراء الظواهر من حقائق. المنتفعة بما ترى وتعلم، التي تذكر الله في كل شيء تراه وتلمسه ولا تنساه، ولا تنسى يوم لقاه..
وبعد عرض هاتين الصورتين يتجه إلى الذين آمنوا يناديهم ليتقوا ويحسنوا ويتخذوا من حياتهم القصيرة على هذه الأرض وسيلة للكسب الطويل في الحياة الآخرة:
«قُلْ: يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ. وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ. إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3042