نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2961
مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ. قالُوا: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ، أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ؟ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ»
..
ولم يذكر القرآن من هم أصحاب القرية ولا ما هي القرية. وقد اختلفت فيها الروايات. ولا طائل وراء الجري مع هذه الروايات.
وعدم إفصاح القرآن عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئا في دلالة القصة وإيحائها.
ومن ثم أغفل التحديد، ومضى إلى صميم العبرة ولبابها. فهي قرية أرسل الله إليها رسولين. كما أرسل موسى وأخاه هارون- عليهما السّلام- إلى فرعون وملئه. فكذبهما أهل تلك القرية، فعززهما الله برسول ثالث يؤكد أنه وأنهما رسل من عند الله. وتقدموا ثلاثتهم بدعواهم ودعوتهم من جديد «فَقالُوا: إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ» ..
هنا اعتراض أهل القرية عليهم بالاعتراضات المكرورة في تاريخ الرسل والرسالات..
«قالُوا: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» .. «وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ» .. «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ» ..
وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك، كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول. فقد كانوا يتوقعون دائما أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير.. أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف لا تحيط به الأوهام والأساطير؟ كيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها؟! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلئ بها الأسواق والبيوت؟! وهذه هي سذاجة التصور والتفكير. فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة. وليست في هذه الصورة الساذجة الطفولية. وإن هنالك لسرا هائلا ضخما، ولكنه يتمثل في الحقيقة البسيطة الواقعة. حقيقة إيداع إنسان من هؤلاء البشر الاستعداد اللدني الذي يتلقى به وحي السماء، حين يختاره الله لتلقي هذا الوحي العجيب. وهو أعجب من أن يكون الرسول ملكا كما كانوا يقترحون! والرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية. وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي.
النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به. وهم بشر. فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجا من الحياة يملكون هم أن يقلدوه.
ومن ثم كانت حياة الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- معروضة لأنظار أمته. وسجل القرآن- كتاب الله الثابت- المعالم الرئيسية في هذه الحياة بأصغر تفصيلاتها وأحداثها، بوصفها تلك الصفحة المعروضة لأنظار أمته على مدار السنين والقرون. ومن هذه التفصيلات حياته المنزلية والشخصية. حتى خطرات قلبه سجلها القرآن في بعض الأحيان، لتطلع عليها الأجيال وترى فيها قلب ذلك النبي الإنسان.
ولكن هذه الحقيقة الواضحة القريبة هي التي ظلت موضع الاعتراض من بني الإنسان! ولقد قال أهل تلك القرية لرسلهم الثلاثة: «ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» .. وقصدوا أنكم لستم برسل.. «وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ» .. مما تدعون أنه نزله عليكم من الوحي والأمر بأن تدعونا إليه. «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ» ..
وتدعون أنكم مرسلون! وفي ثقة المطمئن إلى صدقه، العارف بحدود وظيفته أجابهم الرسل:
الُوا: رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ»
..
إن الله يعلم. وهذا يكفي وإن وظيفة الرسل البلاغ. وقد أدوه. والناس بعد ذلك أحرار فيما يتخذون
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2961