نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2950
يعيشوا الحياة غافلين عن سننها الأصيلة، محصورين في فترة قصيرة من الزمان، وحيز محدود من المكان.
ويرفع تصورهم لارتباطات الحياة، وسنن الوجود، فيوجههم دائما إلى ثبات السنن واطراد النواميس. ويوجه أنظارهم إلى مصداق هذا فيما وقع للأجيال قبلهم ودلالة ذلك الماضي على ثبات السنن واطراد النواميس.
وهذه الجولة الخامسة نموذج من نماذج هذا التوجيه بعد تقرير الحقيقة الكلية من أن سنة الله لا تتبدل ولا تتحول:
«أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ- وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً- وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ. إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً» .
والسير في الأرض بعين مفتوحة وقلب يقظ والوقوف على مصارع الغابرين، وتأمل ما كانوا فيه وما صاروا إليه.. كل أولئك خليق بأن تستقر في القلب ظلال وإيحاءات ومشاعر وتقوى..
ومن ثم هذه التوجيهات المكررة في القرآن للسير في الأرض والوقوف على مصارع الغابرين، وآثار الذاهبين.
وإيقاظ القلوب من الغفلة التي تسدر فيها، فيها فلا تقف. وإذا وقفت لا تحس. وإذا أحست لا تعتبر. وينشأ عن هذه الغفلة غفلة أخرى عن سنن الله الثابتة. وقصور عن إدراك الأحداث وربطها بقوانينها الكلية. وهي الميزة التي تميز الإنسان المدرك من الحيوان البهيم، الذي يعيش حياته منفصلة اللحظات والحالات لا رابط لها، ولا قاعدة تحكمها. والجنس البشري كله وحدة أمام وحدة السنن والنواميس.
وأمام هذه الوقفة التي يقفهم إياها على مصارع الغابرين قبلهم- وكانوا أشد منهم قوة- فلم تعصمهم قوتهم من المصير المحتوم. أمام هذه الوقفة يوجه حسهم إلى قوة الله الكبرى. القوة التي لا يغلبها شيء ولا يعجزها شيء والتي أخذت الغابرين وهي قادرة على أخذهم كالأولين:
«وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ» ..
ويعقب على هذه الحقيقة بما يفسرها ويعرض أسانيدها:
«إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً» ..
يحيط علمه بكل شيء في السماوات والأرض وتقوم قدرته إلى جانب علمه. فلا يند عن علمه شيء، ولا يقف لقدرته شيء. ومن ثم لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض. ولا مهرب من قدرته ولا استخفاء من علمه: «إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً» ..
وأخيرا يجيء ختام السورة، يكشف عن حلم الله ورحمته إلى جانب قوته وقدرته ويؤكد أن إمهال الناس عن حلم وعن رحمة، لا يؤثر في دقة الحساب وعدل الجزاء في النهاية:
«وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ. وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً» ..
إن ما يرتكبه الناس من كفر لنعمة الله، ومن شر في الأرض وفساد، ومن ظلم في الأرض وطغيان. إن هذا كله لفظيع شنيع ولو يؤاخذ الله الناس به، لتجاوزهم- لضخامته وشناعته وبشاعته- إلى كل حي على ظهر هذه الأرض. ولأصبحت الأرض كلها غير صالحة للحياة إطلاقا. لا لحياة البشر فحسب، ولكن لكل حياة أخرى!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2950