responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2948
الدعوى لو جرؤ عليها مدع. وكل شيء يهتف بأن الذي أبدعه هو الله وهو يحمل آثار الصنعة التي لا يدعيها مدع، لأنه لا تشبهها صنعة، مما يعمل العاجزون أبناء الفناء! «أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ؟» ..
ولا هذه من باب أولى! فما يجرؤ أحد على أن يزعم لهذه الآلهة المدعاة مشاركة في خلق السماوات، ولا مشاركة في ملكية السماوات. كائنة ما كانت. حتى الذين كانوا يشركون الجن أو الملائكة.. فقصارى ما كانوا يزعمون أن يستعينوا بالشياطين على إبلاغهم خبر السماء. أو يستشفعوا بالملائكة عند الله. ولم يرتق ادعاؤهم يوما إلى الزعم بأن لهم شركا في السماء! «أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ؟» ..
وحتى هذه الدرجة- درجة أن يكون الله قد آتى هؤلاء الشركاء كتابا فهم مستيقنون منه، واثقون بما فيه- لم يبلغها أولئك الشركاء المزعومون.. والنص يحتمل أن يكون هذا السؤال الإنكاري موجها إلى المشركين أنفسهم- لا إلى الشركاء- فإن إصرارهم على شركهم قد يوحي بأنهم يستمدون عقيدتهم هذه من كتاب أوتوه من الله فهم على بينة منه وبرهان. وليس هذا صحيحا ولا يمكن أن يدعوه. وعلى هذا المعنى يكون هناك إيحاء بأن أمر العقيدة إنما يتلقى من كتاب من الله بيّن. وأن هذا هو المصدر الوحيد الوثيق. وليس لهم من هذا شيء يدعونه بينما الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- قد جاءهم بكتاب من عند الله بيّن. فما لهم يعرضون عنه، وهو السبيل الوحيد لاستمداد العقيدة؟! «بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً» ..
والظالمون يعد بعضهم بعضا أن طريقتهم هي المثلى وأنهم هم المنتصرون في النهاية. وإن هم إلا مخدوعون مغرورون، يغر بعضهم بعضا، ويعيشون في هذا الغرور الذي لا يجدي شيئا..
والجولة الثالثة- بعد نفي أن يكون للشركاء ذكر ولا خبر في السماوات ولا في الأرض- تكشف عن يد الله القوية الجبارة تمسك بالسماوات والأرض وتحفظهما وتدبر أمرهما بلا شريك:
«إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً» ..
ونظرة إلى السماوات والأرض وإلى هذه الأجرام التي لا تحصى منتثرة في ذلك الفضاء الذي لا تعلم له حدود. وكلها قائمة في مواضعها، تدور في أفلاكها محافظة على مداراتها، لا تختل، ولا تخرج عنها، ولا تبطئ أو تسرع في دورتها، وكلها لا تقوم على عمد، ولا تشد بأمراس [1] ، ولا تستند على شيء من هنا أو من هناك.. نظرة إلى تلك الخلائق الهائلة العجيبة جديرة بأن تفتح البصيرة على اليد الخفية القاهرة القادرة التي تمسك بهذه الخلائق وتحفظها أن تزول.
ولئن زالت السماوات والأرض عن مواضعها، واختلت وتناثرت بددا، فما أحد بقادر على أن يمسكها بعد ذلك أبدا. وذلك هو الموعد الذي ضربه القرآن كثيرا لنهاية هذا العالم. حين يختل نظام الأفلاك وتضطرب وتتحطم وتتناثر ويذهب كل شيء في هذا الفضاء لا يمسك أحد زمامه.

[1] الأمراس: الحبال المتينة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2948
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست