responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2945
قلق على المصير، ومعاناة للأمور تعد حزنا بالقياس إلى هذا النعيم المقيم. والقلق يوم الحشر على المصير مصدر حزن كبير. «إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ» .. غفر لنا وشكر لنا أعمالنا بما جازانا عليها. «الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ» ..
للإقامة والاستقرار «مِنْ فَضْلِهِ» فما لنا عليه من حق، إنما هو الفضل يعطيه من يشاء. «لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ» .. بل يجتمع لنا فيها النعيم والراحة والاطمئنان.
فالجو كله يسر وراحة ونعيم. والألفاظ مختارة لتتسق بجرسها وإيقاعها مع هذا الجو الحاني الرحيم. حتى «الْحَزَنَ» لا يتكأ عليه بالسكون الجازم. بل يقال «الْحَزَنَ» بالتسهيل والتخفيف. والجنة «دارَ الْمُقامَةِ» . والنصب واللغوب لا يمسانهم مجرد مساس. والإيقاع الموسيقي للتعبير كله هادئ ناعم رتيب.
ثم نتلفت إلى الجانب الآخر. فنرى القلق والاضطراب وعدم الاستقرار على حال:
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ، لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها» ..
فلا هذه ولا تلك. حتى الرحمة بالموت لا تنال! «كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ» ..
ثم ها نحن أولاء يطرق أسماعنا صوت غليظ محشرج مختلط الأصداء، متناوح من شتى الأرجاء. إنه صوت المنبوذين في جهنم:
«وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها» ..
وجرس اللفظ نفسه يلقي في الحس هذه المعاني جميعا.. فلنتبين من ذلك الصوت الغليظ ماذا يقول. إنه يقول:
«رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ» ..
إنه الإنابة والاعتراف والندم إذن. ولكن بعد فوات الأوان. فها نحن أولاء نسمع الرد الحاسم يحمل التأنيب القاسي:
«أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ؟» ..
فلم تنتفعوا بهذه الفسحة من العمر، وهي كافية للتذكر لمن أراد أن يتذكر.
«وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ» ..
زيادة في التنبيه والتحذير. فلم تتذكروا ولم تحذروا.
«فَذُوقُوا. فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» ..
إنهما صورتان متقابلتان: صورة الأمن والراحة، تقابلها صورة القلق والاضطراب. ونغمة الشكر والدعاء تقابلها ضجة الاصطراخ والنداء. ومظهر العناية والتكريم، يقابله مظهر الإهمال والتأنيب. والجرس اللين والإيقاع الرتيب، يقابلهما الجرس الغليظ والإيقاع العنيف. فيتم التقابل، ويتم التناسق في الجزئيات وفي الكليات سواء [1] .
وأخيرا يجيء التعقيب على هذه المشاهد جميعا، وعلى ما سبقها من اصطفاء وتوريث:
«إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» .

[1] عن كتاب مشاهد القيامة في القرآن ص 100- 101. «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2945
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست