نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2921
والحديث في هذه السورة يتردد حول الرسل والوحي وما أنزل الله من الحق.. والملائكة هم رسل الله بالوحي إلى من يختاره من عباده في الأرض. وهذه الرسالة هي أعظم شيء وأجله. ومن ثم يذكر الله الملائكة بصفتهم رسلا عقب ذكره لخلق السماوات والأرض. وهم صلة ما بين السماء والأرض. وهم يقومون بين فاطر السماوات والأرض، وأنبيائه ورسله إلى الخلق بأعظم وظيفة وأجلها.
ولأول مرة- فيما مر بنا من القرآن في هذه الظلال- نجد وصفا للملائكة يختص بهيئتهم. وقد ورد وصفهم من قبل من ناحية طبيعتهم ووظيفتهم، مثل قوله تعالى: «وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ [1] » .. وقوله: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [2] » .. أما هنا فنجد شيئا يختص بتكوينهم الخلقي: «أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» .. وهو وصف لا يمثلهم للتصور. لأننا لا نعرف كيف هم ولا كيف أجنحتهم هذه. ولا نملك إلا الوقوف عند هذا الوصف، دون تصور معين له. فكل تصور قد يخطئ. ولم يرد إلينا وصف محدد للشكل والهيئة من طريق معتمد. والذي ورد في القرآن هو هذا وهو قوله تعالى في وصف جهنم: «عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ، لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [3] » .. وهو كذلك لا يحدد شكلا ولا هيئة. والذي ورد في الأثر: «أن النبي- صلّى الله عليه وسلّم- رأى جبريل في صورته مرتين» وفي رواية: «له ستمائة جناح [4] » .. وهو كذلك لا يعين شكلا ولا هيئة. فالأمر إذن مطلق. والعلم لله وحده في هذه الغيبيات.
وبمناسبة ذكر الأجنحة مثنى وثلاث ورباع. حيث لا يعرف الإنسان إلا شكل الجناحين للطائر. يذكر أن الله «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ» .. فيقرر طلاقة المشيئة، وعدم تقيدها بشكل من أشكال الخلق.. وفيما نشهده نحن ونعلمه أشكال لا تحصى من الخلق. ووراء ما نعلم أكثر وأكثر.. «إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .. وهذا التعقيب أوسع من سابقه وأشمل. فلا تبقى وراءه صورة لا يتناولها مدلوله، من صور الخلق والإنشاء والتغيير والتبديل.
«ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
في هذه الآية الثانية من السورة صورة من صور قدرة الله التي ختم بها الآية الأولى. وحين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعا.
إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله. وتيئسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله. وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض وتفتح أمامه باب الله. وتغلق في وجهه كل طريق في السماوات والأرض وتشرع له طريقه إلى الله.
ورحمة الله تتمثل في مظاهر لا يحصيها العد ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه، وتكريمه بما كرمه وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير. [1] سورة الأنبياء. آية: 19- 20. [2] سورة الأعراف. آية: 206. [3] سورة التحريم. آية: 6. [4] متفق عليه من رواية ابن مسعود. [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2921