نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2911
المبسوط لهم في الرزق أو المضيق عليهم فيه. فمن وهبه الله مالا وولدا فأحسن فيهما التصرف فقد يضاعف له الله في الثواب جزاء ما أحسن في نعمة الله. وليست الأموال والأولاد بذاتها هي التي تقربهم من الله ولكن تصرفهم في الأموال والأولاد هو الذي يضاعف لهم في الجزاء:
«وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى. إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ. وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ» ..
ثم يكرر قاعدة أن بسط الرزق وقبضه أمر آخر يريده الله لحكمة منفصلة وأن ما ينفق منه في سبيل الله هو الذخر الباقي الذي يفيد، لتقر هذه الحقيقة واضحة في القلوب:
«قُلْ: إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ. وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» ..
ويختم هذه الجولة بمشهدهم محشورين يوم القيامة، حيث يواجههم الله سبحانه بالملائكة الذين كانوا يعبدونهم من دون الله ثم يذوقون عذاب النار الذي كانوا يستعجلون به، ويقولون متى هذا الوعد؟ كما جاء في أول هذا الشوط:
«وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ؟ قالُوا: سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ. بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ. فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا، وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا: ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ» ..
فهؤلاء هم الملائكة الذين كانوا يعبدونهم من دون الله، أو يتخذونهم عنده شفعاء. هؤلاء هم يواجهون بهم، فيسبحون الله تنزيها له من هذا الادعاء، ويتبرأون من عبادة القوم لهم. فكأنما هذه العبادة كانت باطلا أصلا، وكأنما لم تقع ولم تكن لها حقيقة. إنما هم يتولون الشيطان. إما بعبادته والتوجه إليه، وإما بطاعته في اتخاذ شركاء من دون الله. وهم حين عبدوا الملائكة إنما كانوا يعبدون الشيطان! ذلك إلى أن عبادة الجن عرفت بين العرب وكان منهم فريق يتوجه إلى الجن بالعبادة أو الاستعانة: «بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ» .. ومن هنا تجيء علاقة قصة سليمان والجن بالقضايا والموضوعات التي تعالجها السورة، على طريقة سياقة القصص في القرآن الكريم.
وبينما المشهد معروض يتغير السياق من الحكاية والوصف إلى الخطاب والمواجهة. ويوجه القول إليهم بالتأنيب والتبكيت:
«فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا» ..
لا الملائكة يملكون للناس شيئا. ولا هؤلاء الذين كفروا يملك بعضهم لبعض شيئا. والنار التي كذب بها الظالمون، وكانوا يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، ها هم أولاء يرونها واقعا لا شك فيه:
«وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا: ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ» وبهذا تختم الجولة مركزة على قضية البعث والحساب والجزاء كسائر الجولات في هذه السورة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2911