responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2837
ثم يأخذ بعد هذا الإجمال في التفصيل والتصوير:
«إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ، وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً. وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا. وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ، يَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ- وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ. إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً» ..
إنها صورة الهول الذي روع المدينة، والكرب الذي شملها، والذي لم ينج منه أحد من أهلها. وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب. من أعلاها ومن أسفلها. فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب، وظنها بالله، وسلوكها في الشدة، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج. ومن ثم كان الابتلاء كاملا والامتحان دقيقا.
والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسما لا تردد فيه.
وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته، وكل انفعالاته، وكل خلجاته، وكل حركاته، ماثلا أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير.
ننظر فنرى الموقف من خارجه: «إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ» ..
ثم ننظر فنرى أثر الموقف في النفوس: «وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ» .. وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق، يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب.
«وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا» .. ولا يفصل هذه الظنون. ويدعها مجملة ترسم حالة الاضطراب في المشاعر والخوالج، وذهابها كل مذهب، واختلاف التصورات في شتى القلوب.
ثم تزيد سمات الموقف بروزا، وتزيد خصائص الهول فيه وضوحا: «هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» .. والهول الذي يزلزل المؤمنين لا بد أن يكون هولا مروعا رعيبا.
قال محمد بن مسلمة وغيره: كان ليلنا بالخندق نهارا وكان المشركون يتناوبون بينهم، فيغدو أبو سفيان ابن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عمرو بن العاص يوما، ويغدو هبيرة ابن أبي وهب يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما. ويغدو ضرار بن الخطاب يوما. حتى عظم البلاء وخاف الناس خوفا شديدا.
ويصور حال المسلمين ما رواه المقريزي في إمتاع الأسماع. قال:
ثم وافى المشركون سحرا، وعبأ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه فقاتلوا يومهم إلى هويّ من الليل، وما يقدر رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من موضعهم. وما قدر رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء فجعل أصحابه يقولون:
يا رسول الله ما صلينا! فيقول. ولا أنا والله ما صليت! حتى كشف الله المشركين، ورجع كل من الفريقين إلى منزله، وقام أسيد بن حضير في مائتين على شفير الخندق، فكرت خيل للمشركين يطلبون غرة- وعليها خالد بن الوليد- فناوشهم ساعة، فزرق وحشى الطفيل بن النعمان بن خنساء الأنصاري السلمي بمزراق، فقتله كما قتل حمزة- رضي الله عنه- بأحد. وقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يومئذ: «شغلنا

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2837
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست