نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2835
ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر (من غطفان) أتى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-:
«إنما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة» .
(وقد فعل حتى أفقد الأحزاب الثقة بينهم وبين بني قريظة في تفصيل مطول تحدثت عنه روايات السيرة ونختصره نحن خوف الإطالة) ..
وخذل الله بينهم- وبعث الله عليهم الريح في ليلة شاتية باردة شديدة البرد. فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم (يعني خيامهم وما يتخذونه للطبخ من مواقد.. إلخ) .
فلما انتهى إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جماعتهم، دعا حذيفة بن اليمان، فبعثه إليهم لينظر ما فعله القوم ليلا.
قال ابن إسحاق: فحدثني زيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال:
قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله. أرأيتم رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا. قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي. والله لقد رأيتنا مع رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- بالخندق، وصلّى رسول الله- هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال: «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع، يشرط له رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- الرجعة. أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟» فما قام رجل من القوم من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد. فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني.
فقال: «يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدث شيئا حتى تأتينا» قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، ولا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه. قال حذيفة: فأخذت الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من أنت؟
قال: فلان ابن فلان! ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام. لقد هلك الكراع والخف (يعني الخيل والجمال) وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون.
ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء.. فارتحلوا فإني مرتحل.. ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث. فو الله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- إليّ ألا تحدث شيئا حتى تأتيني، ثم شئت لقتلته بسهم.
قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وهو قائم يصلي في مرط (أي كساء) لبعض نسائه مرجل (من وشي اليمن) فلما رآني أدخلني إلى رجليه، وطرح عليّ طرف المرط ثم ركع وسجد وإني لفيه. فلما سلم أخبرته الخبر.. وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
إن النص القرآني يغفل أسماء الأشخاص، وأعيان الذوات، ليصور نماذج البشر وأنماط الطباع. ويغفل تفصيلات الحوادث وجزئيات الوقائع، ليصور القيم الثابتة والسنن الباقية. هذه التي لا تنتهي بانتهاء الحادث، ولا تنقطع بذهاب الأشخاص، ولا تنقضي بانقضاء الملابسات، ومن ثم تبقى قاعدة ومثلا لكل جيل ولكل قبيل. ويحفل بربط المواقف والحوادث بقدر الله المسيطر على الأحداث والأشخاص، ويظهر فيها يد الله
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2835