نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2823
«وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» . فالوحي «إِلَيْكَ» بهذا التخصيص. والمصدر «مِنْ رَبِّكَ» بهذه الإضافة. فالاتباع هنا متعين بحكم هذه الموحيات الحساسة، فوق ما هو متعين بالأمر الصادر من صاحب الأمر المطاع.. والتعقيب:
«إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً» .. فهو الذي يوحي عن خبرة بكم وبما تعملون وهو الذي يعلم حقيقة ما تعملون، ودوافعكم إلى العمل من نوازع الضمير.
والتوجيه الأخير: «وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» .. فلا يهمنك أكانوا معك أم كانوا عليك ولا تحفل كيدهم ومكرهم وألق بأمرك كله إلى الله، يصرفه بعلمه وحكمته وخبرته.. ورد الأمر إلى الله في النهاية والتوكل عليه وحده، هو القاعدة الثابتة المطمئنة التي يفىء إليها القلب فيعرف عندها حدوده، وينتهي إليها ويدع ما وراءها لصاحب الأمر والتدبير، في ثقة وفي طمأنينة وفي يقين.
وهذه العناصر الثلاثة: تقوى الله. واتباع وحيه. والتوكل عليه- مع مخالفة الكافرين والمنافقين- هي العناصر التي تزود الداعية بالرصيد وتقيم الدعوة على منهجها الواضح الخالص. من الله، وإلى الله، وعلى الله. «وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» .
ويختم هذه التوجيهات بإيقاع حاسم مستمد من مشاهدة حسية:
«ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» ..
إنه قلب واحد، فلا بد له من منهج واحد يسير عليه. ولا بد له من تصور كلي واحد للحياة وللوجود يستمد منه. ولا بد له من ميزان واحد يزن به القيم، ويقوّم به الأحداث والأشياء. وإلا تمزق وتفرق ونافق والتوى، ولم يستقم على اتجاه.
ولا يملك الإنسان أن يستمد آدابه وأخلاقه من معين ويستمد شرائعه وقوانينه من معين آخر ويستمد أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية من معين ثالث ويستمد فنونه وتصوراته من معين رابع.. فهذا الخليط لا يكوّن إنسانا له قلب. إنما يكون مزقا وأشلاء ليس لها قوام! وصاحب العقيدة لا يملك أن تكون له عقيدة حقا، ثم يتجرد من مقتضياتها وقيمها الخاصة في موقف واحد من مواقف حياته كلها، صغيرا كان هذا الموقف أم كبيرا. لا يملك أن يقول كلمة، أو يتحرك حركة، أو ينوي نية، أو يتصور تصورا، غير محكوم في هذا كله بعقيدته- إن كانت هذه العقيدة حقيقة واقعة في كيانه- لأن الله لم يجعل له سوى قلب واحد، يخضع لناموس واحد، ويستمد من تصور واحد، ويزن بميزان واحد.
لا يملك صاحب العقيدة أن يقول عن فعل فعله: فعلت كذا بصفتي الشخصية. وفعلت كذا بصفتي الإسلامية! كما يقول رجال السياسة أو رجال الشركات. أو رجال الجمعيات الاجتماعية أو العلمية وما إليها في هذه الأيام! إنه شخص واحد له قلب واحد، تعمره عقيدة واحدة. وله تصور واحد للحياة، وميزان واحد للقيم.
وتصوره المستمد من عقيدته متلبس بكل ما يصدر عنه، في كل حالة من حالاته على السواء.
وبهذا القلب الواحد يعيش فردا، ويعيش في الأسرة، ويعيش في الجماعة، ويعيش في الدولة. ويعيش في العالم. ويعيش سرا وعلانية. ويعيش عاملا وصاحب عمل. ويعيش حاكما ومحكوما. ويعيش في السراء والضراء.. فلا تتبدل موازينه، ولا تتبدل قيمه، ولا تتبدل تصوراته.. «ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2823