نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2809
يرى حينئذ من ورائه جمال الله وجلاله.
إن هذا الوجود جميل. وإن جماله لا ينفد. وإن الإنسان ليرتقي في إدراك هذا الجمال والاستمتاع به إلى غير ما حدود. قدر ما يريد. وفق ما يريده له مبدع الوجود.
وإن عنصر الجمال لمقصود قصدا في هذا الوجود. فإتقان الصنعة يجعل كمال الوظيفة في كل شيء، يصل إلى حد الجمال. وكمال التكوين يتجلى في صورة جميلة في كل عضو، وفي كل خلق.. انظر.. هذه النحلة. هذه الزهرة. هذه النجمة. هذا الليل. هذا الصبح. هذه الظلال. هذه السحب. هذه الموسيقى السارية في الوجود كله. هذا التناسق الذي لا عوج فيه ولا فطور! إنها رحلة ممتعة في هذا الوجود الجميل الصنع البديع التكوين يلفتنا القرآن إليها لنتملاها، ونستمتع بها وهو يقول: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» .. فيوقظ القلب لتتبع مواضع الحسن والجمال في هذا الوجود الكبير.
«الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» .. «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ» ..
ومن إحسانه في الخلق بدء خلق هذا الإنسان من طين. فالتعبير قابل لأن يفهم منه أن الطين كان بداءة، وكان في المرحلة الأولى. ولم يحدد عدد الأطوار التي تلت مرحلة الطين ولا مداها ولا زمنها، فالباب فيها مفتوح لأي تحقيق صحيح. وبخاصة حين يضم هذا النص إلى النص الآخر الذي في سورة «المؤمنون» ..
«خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ» .. فيمكن أن يفهم منه أنه إشارة إلى تسلسل في مراحل النشأة الإنسانية يرجع أصلا إلى مرحلة الطين.
وقد يكون ذلك إشارة إلى بدء نشأة الخلية الحية الأولى في هذه الأرض وأنها نشأت من الطين. وأن الطين كان المرحلة السابقة لنفخ الحياة فيها بأمر الله. وهذا هو السر الذي لم يصل إليه أحد. لا ما هو. ولا كيف كان. ومن الخلية الحية نشأ الإنسان. ولا يذكر القرآن كيف تم هذا، ولا كم استغرق من الزمن ومن الأطوار.
فالأمر في تحقيق هذا التسلسل متروك لأي بحث صحيح وليس في هذا البحث ما يصادم النص القرآني القاطع بأن نشأة الإنسان الأولى كانت من الطين. وهذا هو الحد المأمون بين الاعتماد على الحقيقة القرآنية القاطعة وقبول ما يسفر عنه أي تحقيق صحيح.
غير أنه يحسن- بهذه المناسبة- تقرير أن نظرية النشوء والارتقاء لدارون القائلة: بأن الأنواع تسلسلت من الخلية الواحدة إلى الإنسان في أطوار متوالية وأن هناك حلقات نشوء وارتقاء متصلة تجعل أصل الإنسان المباشر حيوانا فوق القردة العليا ودون الإنسان.. أن هذه النظرية غير صحيحة في هذه النقطة وأن كشف عوامل الوراثة- التي لم يكن دارون قد عرفها- تجعل هذا التطور من نوع إلى نوع ضربا من المستحيل. فهناك عوامل وراثة كامنة في خلية كل نوع تحتفظ له بخصائص نوعه وتحتم أن يظل في دائرة النوع الذي نشأ منه، ولا يخرج قط عن نوعه ولا يتطور إلى نوع جديد. فالقط أصله قط وسيظل قطا على توالي القرون.
والكلب كذلك. والثور. والحصان. والقرد. والإنسان. وكل ما يمكن أن يقع- حسب نظريات الوراثة- هو الارتقاء في حدود النوع نفسه. دون الانتقال إلى نوع آخر. وهذا يبطل القسم الرئيسي في نظرية دارون التي فهم ناس من المخدوعين باسم العلم أنها حقيقة غير قابلة للنقض في يوم من الأيام [1] ! [1] يراجع كتاب العلم يدعو إلى الإيمان. وص 2573 جزء 19 من الظلال.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2809