نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2806
الآية السابقة إنما هذه الإضافة هنا للتكريم. تكريم الرسول الذي يتهمونه بالافتراء. وإلقاء ظلال القربى بينه وبين ربه رب العالمين. ردا على الاتهام الأثيم. وتقريرا للصلة الوثيقة التي تحمل مع معنى التكريم معنى وثاقة المصدر وصحة التلقي. وأمانة النقل والتبليغ.
«لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ، لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ» ..
والعرب الذين أرسل إليهم محمد- صلّى الله عليه وسلّم- لم يرسل إليهم أحد قبله ولا يعرف التاريخ رسولا بين إسماعيل- عليه السّلام- جد العرب الأول وبين محمد- صلّى الله عليه وسلّم- وقد نزل الله عليه هذا الكتاب الحق، لينذرهم به. «لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ» فهدايتهم مرجوة بهذا الكتاب، لما فيه من الحق الذي يخاطب الفطر والقلوب.
هؤلاء القوم الذين نزل الله الكتاب لينذرهم به رسوله- صلّى الله عليه وسلّم- كانوا يشركون مع الله آلهة أخرى. فهنا يبدأ ببيان صفة الله التي يعرفون بها حق ألوهيته سبحانه، ويميزون بها بين من يستحق هذا الوصف العظيم: «اللَّهُ» ومن لا يستحقونه ولا يجوز أن يقرنوا إلى مقام الله رب العالمين:
«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ. أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ؟ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ. قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» ..
ذلك هو الله، وهذه هي آثار ألوهيته ودلائلها. هذه هي في صفحة الكون المنظور. وفي ضمير الغيب المترامي وراء إدراك البشر المحدود. وفي نشأة الإنسان وأطواره التي يعرفها الناس، والتي يطلعهم عليها الله في كتابه الحق المبين.
«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» ..
والسماوات والأرض وما بينهما هي هذه الخلائق الهائلة التي نعلم عنها القليل ونجهل عنها الكثير.. هي هذا الملكوت الطويل العريض الضخم المترامي الأطراف، الذي يقف الإنسان أمامه مبهورا مدهوشا متحيرا في الصنعة المتقنة الجميلة المنسقة الدقيقة التنظيم.. هي هذا الخلق الذي يجمع إلى العظمة الباهرة، الجمال الأخاذ. الجمال الحقيقي الكامل، الذي لا يرى فيه البصر، ولا الحس، ولا القلب، موضعا للنقص ولا يمل المتأمل التطلع إليه مهما طالت وقفته ولا يذهب التكرار والألفة بجاذبيته. المتجددة العجيبة. ثم هي هذه الخلائق المنوعة، المتعددة الأنواع والأجناس والأحجام والأشكال والخواص والمظاهر والاستعدادات والوظائف، الخاضعة كلها لناموس واحد، المتناسقة كلها في نشاط واحد، المتجهة كلها إلى مصدر واحد تتلقى منه التوجيه والتدبير، وتتجه إليه بالطاعة والاستسلام.
والله.. هو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما.. فهو الحقيق- سبحانه- بهذا الوصف العظيم..
«خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» ..
وليست هي قطعا من أيام هذه الأرض التي نعرفها. فأيام هذه الأرض مقياس زمني ناشىء من دورة هذه
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2806