نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2799
هو المنشئ للأسباب الكونية التي تكونه والتي تنظمه. فاختصاص الله في الغيث هو اختصاص القدرة.
كما هو ظاهر من النص. وقد وهم الذين عدوه في الغيبيات المختصة بعلم الله. وإن كان علم الله وحده هو العلم في كل أمر وشأن. فهو وحده العلم الصحيح الكامل الشامل الدائم الذي لا يلحق به زيادة ولا نقصان.
«وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ» .. اختصاص بالعلم كالاختصاص في أمر «السَّاعَةِ» فهو سبحانه الذي يعلم وحده.
علم يقين. ماذا في الأرحام في كل لحظة وفي كل طور. من فيض وغيض. ومن حمل حتى حين لا يكون للحمل حجم ولا جرم. ونوع هذا الحمل ذكرا أم أنثى، حين لا يملك أحد أن يعرف عن ذلك شيئا في اللحظة الأولى لاتحاد الخلية والبويضة. وملامح الجنين وخواصه وحالته واستعداداته.. فكل أولئك مما يختص به علم الله تعالى.
«وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً» .. ماذا تكسب من خير وشر، ومن نفع وضر، ومن يسر وعسر، ومن صحة ومرض، ومن طاعة ومعصية. فالكسب أعم من الربح المالي وما في معناه وهو كل ما تصيبه النفس في الغداة. وهو غيب مغلق، عليه الأستار. والنفس الإنسانية تقف أمام سدف الغيب، لا تملك أن ترى شيئا مما وراء الستار.
وكذلك: «وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» فذلك أمر وراء الستر المسبل السميك الذي لا تنفذ منه الأسماع والأبصار.
وإن النفس البشرية لتقف أمام هذه الأستار عاجزة خاشعة، تدرك بالمواجهة حقيقة علمها المحدود، وعجزها الواضح، ويتساقط عنها غرور العلم والمعرفة المدعاة. وتعرف أمام ستر الغيب المسدل أن الناس لم يؤتوا من العلم إلا قليلا وأن وراء الستر الكثير مما لم يعلمه الناس. ولو علموا كل شيء آخر فسيظلون واقفين أمام ذلك الستر لا يدرون ماذا يكون غدا! بل ماذا يكون اللحظة التالية. وعندئذ تطامن النفس البشرية من كبريائها وتخشع لله.
والسياق القرآني يعرض هذه المؤثرات العميقة التأثير في القلب البشري في رقعة فسيحة هائلة..
رقعة فسيحة في الزمان والمكان، وفي الحاضر الواقع، والمستقبل المنظور، والغيب السحيق. وفي خواطر النفس، ووثبات الخيال: ما بين الساعة البعيدة المدى، والغيث البعيد المصدر، وما في الأرحام الخافي عن العيان. والكسب في الغد، وهو قريب في الزمان ومغيب في المجهول.. وموضع الموت والدفن، وهو مبعد في الظنون.
إنها رقعة فسيحة الآماد والأرجاء. ولكن اللمسات التصويرية العريضة بعد أن تتناولها من أقطارها تدق في أطرافها، وتجمع هذه الأطراف كلها عند نقطة الغيب المجهول ونقف بها جميعا أمام كوة صغيرة مغلقة، لو انفتح منها سم الخياط لاستوى القريب خلفها بالبعيد، ولا نكشف القاصي منها والدان [1] .. ولكنها تظل مغلقة في وجه الإنسان، لأنها فوق مقدور الإنسان، ووراء علم الإنسان. تبقى خالصة لله لا يعلمها غيره، إلا بإذن منه وإلا بمقدار. «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» وليس غيره بالعليم ولا بالخبير.. [1] مقتطف من كتاب: التصوير الفني في القرآن. فصل: التناسق الفني. «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2799