responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2796
ما يدعون من دونه الباطل. وتقرر إخلاص العبادة لله وحده. وتقرر قضية اليوم الآخر الذي لا يجزى فيه والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا.. وتستصحب مع هذه القضايا مؤثرات منوعة جديدة.
وتعرضها في المجال الكوني الفسيح..
«أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ؟ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى؟ وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ؟ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» ..
ومشهد دخول الليل في النهار، ودخول النهار في الليل، وتناقصهما وامتدادهما عند اختلاف الفصول، مشهد عجيب حقا، ولكن طول الألفة والتكرار يفقد أكثر الناس الحساسية تجاهه فلا يلحظون هذه العجيبة، التي تتكرر بانتظام دقيق، لا يتخلف مرة ولا يضطرب ولا تنحرف تلك الدورة الدائبة التي لا تكل ولا تحيد.. والله وحده هو القادر على إنشاء هذا النظام وحفظه ولا يحتاج إدراك هذه الحقيقة إلى أكثر من رؤية تلك الدورة الدائبة التي لا تكل ولا تحيد.
وعلاقة تلك الدورة بالشمس والقمر وجريانهم المنتظم علاقة واضحة. وتسخير الشمس والقمر عجيبة أضخم من عجيبة الليل والنهار ونقصهما وزيادتهما. وما يقدر على هذا التسخير إلا الله القدير الخبير. وهو الذي يقدر ويعلم أمد جريانهما إلى الوقت المعلوم. ومع حقيقة إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل وحقيقة تسخير الشمس والقمر- وهما حقيقتان كونيتان بارزتان- حقيقة أخرى مثلهما يقررها معهما في آية واحدة:
«وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» .. وهكذا تبرز هذه الحقيقة الغيبية، إلى جانب الحقائق الكونية. حقيقة مثلها، ذات ارتباط بها وثيق.
ثم يعقب على هذه الحقائق الثلاث بالحقيقة الكبرى التي تقوم عليها الحقائق جميعا. الحقيقة الأولى التي تنبثق منها الحقائق جميعا. وهي الحقيقة التي تعالجها الجولة وتقدم لها بهذا الدليل:
«ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» ..
ذلك.. ذلك النظام الكوني الثابت الدائم المنسق الدقيق.. ذلك النظام قائم بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل. قائم بهذه الحقيقة الكبرى التي تعتمد عليها كل حقيقة، والتي يقوم بها هذا الوجود. فكون الله هو الحق. سبحانه. هو الذي يقيم هذا الكون، وهو الذي يحفظه، وهو الذي يدبره، وهو الذي يضمن له الثبات والاستقرار والتماسك والتناسق، ما شاء الله له أن يكون..
«ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ» .. كل شيء غيره يتبدل. وكل شيء غيره يتحول. وكل شيء غيره تلحقه الزيادة والنقصان، وتتعاوره القوة والضعف، والازدهار والذبول، والإقبال والإدبار. وكل شيء غيره يوجد بعد أن لم يكن، ويزول بعد أن يكون. وهو وحده- سبحانه- الدائم الباقي الذي لا يتغير ولا يتبدل ولا يحول ولا يزول..
ثم تبقى في النفس بقية من قوله تعالى: «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ» .. بقية لا تنقلها الألفاظ ولا يستقل بها التعبير البشري الذي أملك. بقية يتمثلها القلب ويستشعرها الضمير ويحسها الكيان الإنساني كله ويقصر عنها التعبير! .. وكذلك: «وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» .. الذي ليس غيره «علي» ولا «كبير» !!! ترى قلت شيئا يفصح عما يخالج كياني كله أمام التعبير القرآني العجيب؟ أحس أن كل تعبير بشري عن مثل هذه الحقائق العليا ينقص منها ولا يزيد وأن التعبير القرآني- كما هو- هو وحده التعبير الموحي الفريد!!!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2796
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست