responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2787
«وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ» ..
وإنزال الماء من السماء إحدى العجائب الكونية التي نمر عليها كذلك غافلين. هذا الماء الذي تفيض به مجاري الأنهار، والذي تمتلىء به البحيرات، والذي تتفجر به العيون.. هذا كله ينزل من السماء وفق نظام دقيق، مرتبط بنظام السماوات والأرض، وما بينهما من نسب وأبعاد، ومن طبيعة وتكوين.. وإنبات النبات من الأرض بعد نزول الماء عجيبة أخرى لا ينقضي منها العجب. عجيبة الحياة، وعجيبة التنوع، وعجيبة الوراثة للخصائص الكامنة في البذرة الصغيرة، لتعيد نفسها في النبتة وفي الشجرة الكبيرة. وإن دراسة توزيع الألوان في زهرة واحدة من نبتة واحدة لتقود القلب المفتوح إلى أعماق الحياة وأعماق الإيمان بالله مبدع هذه الحياة..
والنص القرآني يقرر أن الله أنبت النبات أزواجا: «مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ» وهي حقيقة ضخمة اهتدى إليها العلم بالاستقراء قريبا جدا. فكل نبات له خلايا تذكير وخلايا تأنيث، إما مجتمعة في زهرة واحدة، أو في زهرتين في العود الواحد، وإما منفصلة في عودين أو شجرتين، ولا توجد الثمرة إلا بعد عملية التقاء وتلقيح بين زوج النبات، كما هو الشأن في الحيوان والإنسان سواء.
ووصف الزوج بأنه «كريم» يلقي ظلا خاصا مقصودا في هذا الموضع ليصبح لائقا بأن يكون «خَلْقُ اللَّهِ» وليرفعه أمام الأنظار مشيرا إليه.. «هذا خَلْقُ اللَّهِ» وليتحداهم به ويتحدى دعواهم المتهافتة.. «فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ؟» .. وليعقب على هذا التحدي في أنسب وقت: «بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
وأي ضلال وأي ظلم بعد هذا الشرك، في هذا المعرض الكوني الباهر الجليل؟
وعند هذا الإيقاع القوي يختم الجولة الأولى في السورة ذلك الختام المؤثر العميق.
بعد ذلك يبدأ الجولة الثانية. يبدؤها في نسق جديد. نسق الحكاية والتوجيه غير المباشر. ويعالج قضية الشكر لله وحده، وتنزيهه عن الشرك كله، وقضية الآخرة والعمل والجزاء في خلال الحكاية.
«وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» .
ولقمان الذي اختاره القرآن ليعرض بلسانه قضية التوحيد وقضية الآخرة تختلف في حقيقته الروايات:
فمن قائل: إنه كان نبيا، ومن قائل: إنه كان عبدا صالحا من غير نبوة- والأكثرون على هذا القول الثاني- ثم يقال: إنه كان عبدا حبشيا، ويقال: إنه كان نوبيا. كما قيل: إنه كان في بني إسرائيل قاضيا من قضاتهم..
وأيا من كان لقمان فقد قرر القرآن أنه رجل آتاه الله الحكمة. الحكمة التي مضمونها ومقتضاها الشكر لله:
«وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ» .. وهذا توجيه قرآني ضمني إلى شكر الله اقتداء بذلك الرجل الحكيم المختار الذي يعرض قصته وقوله. وإلى جوار هذا التوجيه الضمني توجيه آخر، فشكر الله إنما هو رصيد مذخور للشاكر ينفعه هو، والله غني عنه. فالله محمود بذاته ولو لم يحمده أحد من خلقه: «وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ. وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» .. وإذن فأحمق الحمقى هو من يخالف عن الحكمة ولا يدخر لنفسه مثل ذلك الرصيد.
ثم تجيء قضية التوحيد في صورة موعظة من لقمان الحكيم لابنه:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2787
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست