نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2765
«وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً، وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» ..
وظاهرة البرق ظاهرة ناشئة من النظام الكوني ويعللها بعضهم بأنها تنشأ من انطلاق شرارة كهربائية بين سحابتين محملتين بالكهرباء، أو بين سحابة وجسم أرضي كقمة جبل مثلا. ينشأ عنها تفريغ في الهواء يتمثل في الرعد الذي يعقب البرق. وفي الغالب يصاحب هذا وذلك تساقط المطر نتيجة لذلك التصادم. وأيا ما كان السبب فالبرق ظاهرة ناشئة عن نظام هذا الكون كما خلقه البارئ وقدره تقديرا.
والقرآن الكريم حسب طبيعته لا يفصل كثيرا في ماهية الظواهر الكونية وعللها إنما يتخذ منها أداة لوصل القلب البشري بالوجود وخالق الوجود. ومن ثم يقرر هنا أنها آية من آيات الله أن يريهم البرق «خَوْفاً وَطَمَعاً» .. وهما الشعوران الفطريان اللذان يتعاوران النفس البشرية أمام تلك الظاهرة. شعور الخوف من الصواعق التي تحرق الناس والأشياء أحيانا عند ما يبرق البرق. أو الخوف الغامض من رؤية البرق وما يوقعه في الحس من الشعور بالقوة المصرفة لهيكل هذا الكون الهائل. وشعور الطمع في الخير من وراء المطر الذي يصاحب البرق في معظم الأحوال والذي عقب بذكره في الآية بعد ذكر البرق: «وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» ..
والتعبير بالحياة والموت بالقياس إلى الأرض تعبير يخيل أن الأرض كائن حيّ، يحيا ويموت. وإنها لكذلك في حقيقتها التي يصورها القرآن الكريم. فهذا الكون خليقة حية متعاطفة متجاوبة، مطيعة لربها خاضعة خاشعة، ملبية لأمره مسبحة عابدة. والإنسان الذي يدب على هذا الكوكب الأرضي واحد من خلائق الله هذه، يسير معها في موكب واحد متجه إلى الله رب العالمين.
ذلك كله بالإضافة إلى أن الماء حين يصيب الأرض، يبعث فيها الخصب، فتنبت الزرع الحي النامي وتموج صفحتها بالحياة المنبثقة في هذا النبات. ومن ثم في الحيوان والإنسان. والماء رسول الحياة فحيث كان تكون الحياة.
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» .. فهنا للعقل مجال للتدبر والتفكير.
«وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ. وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ» ..
وقيام السماء والأرض منتظمة سليمة مقدرة الحركات لا يكون إلا بقدرة من الله وتدبير. وما من مخلوق يملك أن يدعي أنه هو أو سواه يفعل هذا. وما من عاقل يملك أن يقول: إن هذا كله يقع بدون تدبير. وإذن فهي آية من آيات الله أن تقوم السماء والأرض بأمره، ملبية لهذا الأمر، طائعة له، دون انحراف ولا تلكؤ ولا اضطراب.
«ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» ..
ومن يرى هذا التقدير في نظام الكون، وهذه السلطة على مقدراته، لا يشك في تلبية البشر الضعاف لدعوة تصدر إليهم من الخالق القادر العظيم، بالخروج من القبور! ثم يأتي الإيقاع الأخير ختاما لهذا التقرير فإذا كل من في السماوات والأرض من خلائق قانتون لله طائعون.
«وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2765