نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2746
الله لرسله «وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ» .. فوقف الناس بإزائه في صفين: صف يؤمن به من أهل الكتاب ومن قريش، وصف يجحده ويكفر به مع إيمان أهل الكتاب وشهادتهم بصدقه، وتصديقه لما بين أيديهم..
«وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ» .. فهذه الآيات من الوضوح والاستقامة بحيث لا ينكرها إلا الذي يغطي روحه عنها ويسترها، فلا يراها ولا يتملاها! والكفر هو التغطية والحجاب في أصل معناه اللغوي، وهو ملحوظ في مثل هذا التعبير.
«وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ. إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ» ..
وهكذا يتتبع القرآن الكريم مواضع شبهاتهم حتى الساذج الطفولي منها. فرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- عاش بينهم فترة طويلة من حياته، لا يقرأ ولا يكتب ثم جاءهم بهذا الكتاب العجيب الذي يعجز القارئين الكاتبين. ولربما كانت تكون لهم شبهة لو أنه كان من قبل قارئا كاتبا. فما شبهتهم وهذا ماضيه بينهم؟
ونقول: إنه يتتبع مواضع شبهاتهم حتى الساذج الطفولي منها. فحتى على فرض أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- كان قارئا كاتبا، ما جاز لهم أن يرتابوا. فهذا القرآن يشهد بذاته على أنه ليس من صنع البشر.
فهو أكبر جدا من طاقة البشر ومعرفة البشر، وآفاق البشر. والحق الذي فيه ذو طبيعة مطلقة كالحق الذي في هذا الكون. وكل وقفة أمام نصوصه توحي للقلب بأن وراءه قوة، وبأن في عباراته سلطانا، لا يصدران عن بشر! «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ» ..
فهو دلائل واضحة في صدور الذين وهبهم الله العلم، لا لبس فيها ولا غموض، ولا شبهة فيها ولا ارتياب.
دلائل يجدونها بينة في صدورهم، تطمئن إليها قلوبهم، فلا تطلب عليها دليلا وهي الدليل. والعلم الذي يستحق هذا الاسم، هو الذي تجده الصدور في قرارتها، مستقرا فيها، منبعثا منها يكشف لها الطريق، ويصلها بالخيط الواصل إلى هناك! «وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ» .. الذين لا يعدلون في تقدير الحقائق وتقويم الأمور، والذين يتجاوزون الحق والصراط المستقيم.
«وَقالُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ. قُلْ: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ» ..
يعنون بذلك الخوارق المادية التي صاحبت الرسالات من قبل في طفولة البشرية. والتي لا تقوم حجة إلا على الجيل الذي يشاهدها. بينما هذه هي الرسالة الأخيرة التي تقوم حجتها على كل من بلغته دعوتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن ثم جاءت آياتها الخوارق آيات متلوة من القرآن الكريم المعجز الذي لا تنفد عجائبه والذي تفتح كنوزه لجميع الأجيال والذي هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، يحسونها خوارق معجزة كلما تدبروها، وأحسوا مصدرها الذي تستمد منه سلطانها العجيب! «قُلْ: إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ» .. يظهرها عند الحاجة إليها، وفق تقديره وتدبيره. وليس لي أن أقترح على الله شيئا. ليس هذا من شأني ولا من أدبي «وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ» . أنذر وأحذر وأكشف وأبين فأؤدي ما كلفته. ولله الأمر بعد ذلك والتدبير.
إنه تجريد العقيدة من كل وهم وكل شبهة. وإيضاح حدود الرسول وهو بشر مختار. فلا تتلبس بصفات الله الواحد القهار. ولا تغيم حولها الشبهات التي غامت على الرسالات حين برزت فيها الخوارق المادية، حتى اختلطت في حس الناس والتبست بالأوهام والخرافات. ونشأت عنها الانحرافات.
وهؤلاء الذين يطلبون الخوارق يغفلون عن تقدير فضل الله عليهم بتنزيل هذا القرآن:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2746