نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2736
«فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا. وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» .
فعاد أخذهم حاصب وهو الريح الصرصر التي تتطاير معها حصباء الأرض فتضربهم وتقتلهم، وثمود أخذتهم الصيحة. وقارون خسف به وبداره الأرض، وفرعون وهامان غرقا في اليم وذهبوا جميعا مأخوذين بظلمهم. «وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» ..
والآن. وعلى مصارع العتاة البغاة من الكفرة والظلمة والفسقة على مدار القرون.. والآن. وبعد الحديث في مطالع السورة عن الفتنة والابتلاء والإغراء.. الآن يضرب المثل لحقيقة القوى المتصارعة في هذا المجال.. إن هنالك قوة واحدة هي قوة الله. وما عداها من قوة الخلق فهو هزيل واهن، من تعلق به أو احتمى، فهو كالعنكبوت الضعيفة تحتمي ببيت من خيوط واهية. فهي وما تحتمي به سواء:
«مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ، وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ» ..
إنه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوى في هذا الوجود. الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحيانا، فيسوء تقديرهم لجميع القيم، ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات، وتختل في أيديهم جميع الموازين. ولا يعرفون إلى أين يتوجهون. ماذا يأخذون وماذا يدعون؟
وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض، فيتوجهون إليها بمخاوفهم ورغائبهم، ويخشونها ويفزعون منها، ويترضونها ليكفوا عن أنفسهم أذاها، أو يضمنوا لأنفسهم حماها! وتخدعهم قوة المال، يحسبونها القوة المسيطرة على أقدار الناس وأقدار الحياة. ويتقدمون إليها في رغب وفي رهب ويسعون للحصول عليها ليستطيلوا بها ويتسلطوا على الرقاب كما يحسبون! وتخدعهم قوة العلم يحسبونها أصل القوة وأصل المال، وأصل سائر القوى التي يصول بها من يملكها ويجول، ويتقدمون إليها خاشعين كأنهم عباد في المحاريب! وتخدعهم هذه القوى الظاهرة. تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات وفي أيدي الدول، فيدورون حولها، ويتهافتون عليها، كما يدور الفراش على المصباح، وكما يتهافت الفراش على النار! وينسون القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوى الصغيرة، وتملكها، وتمنحها، وتوجهها، وتسخرها كما تريد، حيثما تريد.
وينسون أن الالتجاء إلى تلك القوى سواء كانت في أيدي الأفراد، أو الجماعات، أو الدول.. كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت.. حشرة ضعيفة رخوة واهنة لا حماية لها من من تكوينها الرخو، ولا وقاية لها من بيتها الواهن.
وليس هنالك إلا حماية الله، وإلا حماه، وإلا ركنه القوي الركين.
هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة، فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض ودكت بها المعاقل والحصون.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2736