responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2729
الكثيرون من قبل، وما على الرسول إلا واجب التبليغ:
«وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» ..
وهكذا يأخذهم خطوة خطوة، ويدخل إلى قلوبهم من مداخلها، ويوقع على أوتارها في دقة عميقة، وهذه الخطوات تعد نموذجا لطريقة الدعوة جديرا بأن يتملاه أصحاب كل دعوة، لينسجوا على منواله في مخاطبة النفوس والقلوب.
وقبل أن يمضي السياق إلى نهاية القصة، يقف وقفة يخاطب بها كل منكر لدعوة الإيمان بالله على الإطلاق المكذبين بالرجعة إلى الله والبعث والمآب:
«أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ؟ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. قُلْ: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ، وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ. وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي، وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
إنه خطاب لكل منكر لله ولقائه. خطاب دليله هذا الكون ومجاله السماء والأرض على طريقة القرآن في اتخاذ الكون كله معرضا لآيات الإيمان ودلائله وصفحة مفتوحة للحواس والقلوب، تبحث فيها عن آيات الله، وترى دلائل وجوده ووحدانيته، وصدق وعده ووعيده. ومشاهد الكون وظواهره حاضرة أبدا لا تغيب عن إنسان. ولكنها تفقد جدتها في نفوس الناس بطول الألفة ويضعف إيقاعها على قلوب البشر بطول التكرار.
فيردهم القرآن الكريم إلى تلك الروعة الغامرة، وإلى تلك الآيات الباهرة بتوجيهه الموحي، المحيي للمشاهد والظواهر في القلوب والضمائر، ويثير تطلعهم وانتباههم إلى أسرارها وآثارها. ويجعل منها دلائله وبراهينه التي تراها الأبصار وتتأثر بها المشاعر، ولا يتخذ طرائق الجدل الذهني البارد والقضايا المنطقية التي لا حياة فيها ولا حركة..
تلك التي وفدت على التفكير الإسلامي من خارجه فظلت غريبة عليه، وفي القرآن المثل والمنهج والطريق..
«أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ؟ ثُمَّ يُعِيدُهُ. إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» ..
وإنهم ليرون كيف يبدئ الله الخلق. يرونه في النبتة النامية، وفي البيضة والجنين، وفي كل ما لم يكن ثم يكون مما لا تملك قدرة البشر مجتمعين ومنفردين أن يخلقوه أو يدعوا أنهم خالقوه! وإن سر الحياة وحده لمعجز، كان وما يزال معجز في معرفة منشئه وكيف جاء- ودع عنك أن يحاوله أحد أو يدعيه- ولا تفسير له إلا أنه من صنع الله الذي يبدئ الخلق في كل لحظة تحت أعين الناس وإدراكهم، وهم يرون ولا يملكون الإنكار! فإذا كانوا يرون إنشاء الخلق بأعينهم فالذي أنشأه يعيده:
«إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» ..
وليس في خلق الله شيء عسير عليه تعالى. ولكنه يقيس للبشر بمقاييسهم. فالإعادة أيسر من البدء في تقديرهم.
وإلا فالبدء كالإعادة، والإعادة كالبدء بالقياس إلى قدرة الله سبحانه. وإنما هو توجه الإرادة وكلمة: كن.
فيكون..
ثم يدعوهم إلى السير في الأرض، وتتبع صنع الله وآياته في الخلق والإنشاء، في الجامد والحي سواء، ليدركوا أن الذي أنشأ يعيد بلا عناء:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2729
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست