نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2727
عليه السّلام. يعرضها ممثلة فيما لقيه الرسل حملة دعوة الله منذ فجر البشرية. مفصلا بعض الشيء في قصة إبراهيم ولوط، مجملا فيما عداها.
وفي هذا القصص تتمثل ألوان من الفتن، ومن الصعاب والعقبات في طريق الدعوة.
ففي قصة نوح- عليه السّلام- تتبدى ضخامة الجهد وضآلة الحصيلة، فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم لم يؤمن له إلا القليل «فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ» ..
وفي قصة إبراهيم مع قومه يتبدى سوء الجزاء وطغيان الضلال. فقد حاول هداهم ما استطاع، وجادلهم بالحجة والمنطق: «فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا: اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ» .
وفي قصة لوط يتبدى تبجح الرذيلة واستعلانها، وسفورها بلا حياء ولا تحرج، وانحدار البشرية إلى الدرك الأسفل من الانحراف والشذوذ مع الاستهتار بالنذير: «فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا: ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» ..
وفي قصة شعيب مع مدين يتبدى الفساد والتمرد على الحق والعدل، والتكذيب: «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» .
وتذكر الإشارة إلى عاد وثمود بالاعتزاز بالقوة والبطر بالنعمة.
كما تذكر الإشارة إلى قارون وفرعون وهامان بطغيان المال، واستبداد الحكم، وتمرد النفاق.
ويعقب على هذا القصص بمثل يضربه لهوان القوى المرصودة في طريق دعوة الله، وهي مهما علت واستطالت «كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً. وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» .
وينتهي هذا الشوط بدعوة الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- أن يتلو الكتاب، وأن يقيم الصلاة، وأن يدع الأمر بعد ذلك لله «وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ» ..
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً، فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ. فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ» ..
والراجح أن فترة رسالته التي دعا فيها قومه كانت ألف سنة إلا خمسين عاما. وقد سبقتها فترة قبل الرسالة غير محددة، وأعقبتها فترة كذلك بعد النجاة من الطوفان غير محددة. وهو عمر طويل مديد، يبدو لنا الآن غير طبيعي ولا مألوف في أعمار الأفراد. ولكننا نتلقاه من أصدق مصدر في هذا الوجود- وهذا وحده برهان صدقه- فإذا أردنا له تفسيرا فإننا نستطيع أن نقول: إن عدد البشرية يومذاك كان قليلا ومحدودا، فليس ببعيد أن يعوض الله هذه الأجيال عن كثرة العدد طول العمر، لعمارة الأرض وامتداد الحياة. حتى إذا تكاثر الناس وعمرت الأرض لم يعد هناك داع لطول الأعمار. وهذه الظاهرة ملحوظة في أعمار كثير من الأحياء. فكلما قل العدد وقل النسل طالت الأعمار، كما في النسور وبعض الزواحف كالسلحفاة. حتى ليبلغ عمر بعضها مئات الأعوام. بينما الذباب الذي يتوالد بالملايين لا تعيش الواحدة منه أكثر من أسبوعين. والشاعر يعبر عن هذه الظاهرة بقوله:
بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلاة نزور «1»
(1) بغاث الطير: ضعافه. ومقلاة نزور، أي مقلة في الفراخ.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2727