نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2715
الله عليه وسلّم- وهو في موقفه ذاك:
«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ» ..
فما هو بتاركك للمشركين، وقد فرض عليك القرآن وكلفك الدعوة. ما هو بتاركك للمشركين يخرجونك من بلدك الحبيب إليك، ويستبدون بك وبدعوتك، ويفتنون المؤمنين من حولك. إنما فرض عليك القرآن لينصرك به في الموعد الذي قدره، وفي الوقت الذي فرضه وإنك اليوم لمخرج منه مطارد، ولكنك غدا منصور إليه عائد.
وهكذا شاءت حكمة الله أن ينزل على عبده هذا الوعد الأكيد في ذلك الظرف المكروب، ليمضي- صلّى الله عليه وسلّم- في طريقه آمنا واثقا، مطمئنا إلى وعد الله الذي يعلم صدقه، ولا يستريب لحظة فيه.
وإن وعد الله لقائم لكل السالكين في الطريق وإنه ما من أحد يؤذى في سبيل الله، فيصبر ويستيقن إلا نصره الله في وجه الطغيان في النهاية، وتولى عنه المعركة حين يبذل ما في وسعه، ويخلي عاتقه، ويؤدي واجبه.
«إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ» . ولقد رد موسى من قبل إلى الأرض التي خرج منها هاربا مطاردا. رده فأنقذ به المستضعفين من قومه، ودمر به فرعون وملأه، وكانت العاقبة للمهتدين.. فامض إذن في طريقك، ودع أمر الحكم فيما بينك وبين قومك لله الذي فرض عليك القرآن:
«قُلْ: رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى، وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
ودع الأمر لله يجازي المهتدين والضالين.
وما كان فرض القرآن عليك إلا نعمة ورحمة وما كان يجول في خاطرك أن تكون أنت المختار لتلقي هذه الأمانة. وإنه لمقام عظيم ما كنت تتطلع إليه قبل أن توهبه:
«وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ» ..
وهو تقرير قاطع عن عدم تطلع الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- إلى الرسالة إنما هو اختيار الله. والله يخلق ما يشاء ويختار، فذلك الأفق أعلى من أن يفكر فيه بشر قبل أن يختاره الله له ويؤهله ليرقاه. وهو رحمة من الله بنبيه وبالبشرية التي اختاره لهدايتها بهذه الرسالة. رحمة توهب للمختارين لا للمتطلعين. ولقد كان من حوله كثيرون في العرب وفي بني إسرائيل يتطلعون إلى الرسالة المنتظرة في آخر الزمان. ولكن الله- وهو أعلم حيث يجعل رسالته- قد اختار لها من لم يتطلّع إليها ولم يرجها، من دون أولئك الطامعين المتطلعين، حينما علم منه الاستعداد لتلقّي ذلك الفيض العظيم.
ومن ثم يأمره ربه- بما أنعم عليه بهذا الكتاب- ألا يكون ظهيرا للكافرين ويحذره أن يصدوه عن آيات الله، ويمحض له عقيدة التوحيد خالصة في وجه الشرك والمشركين.
«فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ. لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» ..
إنه الإيقاع الأخير في السورة، يفصل ما بين رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وطريقه وما بين الكفر والشرك وطريقه، ويبين لأتباع رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- طريقهم إلى يوم القيامة.. الإيقاع الأخير ورسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- في طريق هجرته الفاصلة بين عهدين متميزين من عهود التاريخ.
«فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ» .. فما يمكن أن يكون هناك تناصر أو تعاون بين المؤمنين والكافرين. وطريقاهما
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2715