responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2712
كذلك قال له قومه: فكان رده جملة واحدة، تحمل شتى معاني الفساد والإفساد:
«قالَ: إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي» ! إنما أوتيت هذا المال استحقاقا على علمي الذي طوع لي جمعه وتحصيله. فما لكم تملون عليّ طريقة خاصة في التصرف فيه، وتتحكمون في ملكيتي الخاصة، وأنا إنما حصلت هذا المال بجهدي الخاص، واستحققته بعلمي الخاص؟
إنها قولة المغرور المطموس الذي ينسى مصدر النعمة وحكمتها، ويفتنه المال ويعميه الثراء.
وهو نموذج مكرر في البشرية. فكم من الناس يظن أن علمه وكده هما وحدهما سبب غناه. ومن ثم فهو غير مسؤول عما ينفق وما يمسك، غير محاسب على ما يفسد بالمال وما يصلح، غير حاسب لله حسابا، ولا ناظر إلى غضبه ورضاه! والإسلام يعترف بالملكية الفردية، ويقدر الجهد الفردي الذي بذل في تحصيلها من وجوه الحلال التي يشرعها ولا يهون من شأن الجهد الفردي أو يلغيه. ولكنه في الوقت ذاته يفرض منهجا معينا للتصرف في الملكية الفردية- كما يفرض منهجا لتحصيلها وتنميتها- وهو منهج متوازن متعادل، لا يحرم الفرد ثمرة جهده، ولا يطلق يده في الاستمتاع به حتى الترف ولا في إمساكه حتى التقتير ويفرض للجماعة حقوقها في هذا المال، ورقابتها على طرق تحصيله، وطرق تنميته. وطرق إنفاقه والاستمتاع به. وهو منهج خاص واضح الملامح متميز السمات.
ولكن قارون لم يستمع لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه، ولم يخضع لمنهجه القويم. وأعرض عن هذا كله في استكبار لئيم وفي بطر ذميم.
ومن ثم جاءه التهديد قبل تمام الآية، ردا على قولته الفاجرة المغرورة:
«أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً؟ وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ» .
فإن كان ذا قوة وذا مال، فقد أهلك الله من قبله أجيالا كانت أشد منه قوة وأكثر مالا. وكان عليه أن يعلم هذا. فهذا هو العلم المنجي. فليعلم. وليعلم أنه هو وأمثاله من المجرمين أهون على الله حتى من أن يسألهم عن ذنوبهم. فليسوا هم الحكم ولا الأشهاد! «وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ» ! ذلك كان المشهد الأول من مشاهد القصة، يتجلى فيه البغي والتطاول، والإعراض عن النصح، والتعالي على العظة، والإصرار على الفساد، والاغترار بالمال، والبطر الذي يقعد بالنفس عن الشكران.
ثم يجيء المشهد الثاني حين يخرج قارون بزينته على قومه، فتطير لها قلوب فريق منهم، وتتهاوى لها نفوسهم، ويتمنون لأنفسهم مثل ما أوتي قارون، ويحسون أنه أوتي حظا عظيما يتشهاه المحرومون. ذلك على حين يستيقظ الإيمان في قلوب فريق منهم فيعتزون به على فتنة المال وزينة قارون، ويذكرون إخوانهم المبهورين المأخوذين، في ثقة وفي يقين:
«فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا: يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ. إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: وَيْلَكُمْ! ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ»
.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2712
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست