نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2707
ثم يرد أمرهم وأمر كل شيء إلى إرادة الله واختياره فهو الذي يخلق كل شيء، ويعلم كل شيء، وإليه مرد الأمر كله في الأولى والآخرة، وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم في الدنيا وله الرجعة والمآب. وما يملكون أن يختاروا لأنفسهم ولا لغيرهم، فالله يخلق ما يشاء ويختار:
«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ، ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ. وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ، وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» ..
وهذا التعقيب يجيء بعد حكاية قولهم: «إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا» وبعد استعراض موقفهم يوم الحساب على الشرك والغواية.. يجيء لتقرير أنهم لا يملكون الاختيار لأنفسهم فيختاروا الأمن أو المخافة! ولتقرير وحدانية الله ورد الأمر كله إليه في النهاية.
«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ. ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» ..
إنها الحقيقة التي كثيرا ما ينساها الناس، أو ينسون بعض جوانبها. إن الله يخلق ما يشاء لا يملك أحد أن يقترح عليه شيئا ولا أن يزيد أو ينقص في خلقه شيئا، ولا أن يعدل أو يبدل في خلقه شيئا. وإنه هو الذي يختار من خلقه ما يشاء ومن يشاء لما يريد من الوظائف والأعمال والتكاليف والمقامات ولا يملك أحد أن يقترح عليه شخصا ولا حادثا ولا حركة ولا قولا ولا فعلا.. «ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» لا في شأن أنفسهم ولا في شأن غيرهم، ومرد الأمر كله إلى الله في الصغير والكبير..
هذه الحقيقة لو استقرت في الأخلاد والضمائر لما سخط الناس شيئا يحل بهم، ولا استخفهم شيء ينالونه بأيديهم، ولا أحزنهم شيء يفوتهم أو يفلت منهم. فليسوا هم الذين يختارون، إنما الله هو الذي يختار.
وليس معنى هذا أن يلغوا عقولهم وإرادتهم ونشاطهم. ولكن معناه أن يتقبلوا ما يقع- بعد أن يبذلوا ما في وسعهم من التفكير والتدبير والاختيار- بالرضى والتسليم والقبول. فإن عليهم ما في وسعهم والأمر بعد ذلك لله.
ولقد كان المشركون يشركون مع الله آلهة مدعاة والله وحده هو الخالق المختار لا شريك له في خلقه ولا في اختياره..
«سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» ..
«وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ» ..
فهو مجازيهم بما يعلم من أمرهم، مختار لهم ما هم له أهل، من هدى أو ضلال.
«وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» .. فلا شريك له في خلق ولا اختيار.
«لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ» .. على اختياره، وعلى نعمائه، وعلى حكمته وتدبيره، وعلى عدله ورحمته، وهو وحده المختص بالحمد والثناء.
«وَلَهُ الْحُكْمُ» .. يقضي في عباده بقضائه، لا راد له ولا مبدل لحكمه.
«وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» .. فيقضي بينكم قضاءه الأخير..
وهكذا يطوقهم بالشعور بقدرة الله وتفرد إرادته في هذا الوجود واطلاعه على سرهم وعلانيتهم فلا تخفى عليه منهم خافية وإليه مرجعهم فلا تشرد منهم شاردة. فكيف يشركون بالله بعد هذا وهم في قبضته لا يفلتون؟
ثم يجول بهم جولة في مشاهد الكون الذي يعيشون فيه غافلين عن تدبير الله لهم، واختياره لحياتهم ومعاشهم
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2707