responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2703
وروى عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة أنها نزلت في أبي طالب. وكان آخر ما قاله: هو على ملة عبد المطلب.
وإن الإنسان ليقف أمام هذا الخبر مأخوذا بصرامة هذا الدين واستقامته. فهذا عم رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وكافله وحاميه والذائد عنه، لا يكتب الله له الإيمان، على شدة حبه لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وشدة حب رسول الله له أن يؤمن. ذلك أنه إنما قصد إلى عصبية القرابة وحب الأبوة، ولم يقصد إلى العقيدة. وقد علم الله هذا منه، فلم يقدر له ما كان يحبه له رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ويرجوه.
فأخرج هذا الأمر- أمر الهداية- من حصة رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وجعله خاصا بإرادته سبحانه وتقديره. وما على الرسول إلا البلاغ. وما على الداعين بعده إلا النصيحة. والقلوب بعد ذلك بين أصابع الرحمن، والهدى والضلال وفق ما يعلمه من قلوب العباد واستعدادهم للهدى أو للضلال.
والآن يجيء السياق إلى قولتهم التي قالوها للرسول- صلّى الله عليه وسلّم- معتذرين عن اتباعه مخافة أن يفقدوا سلطانهم على قبائل العرب المجاورة، التي تعظم الكعبة، وتدين لسدنتها، وتعظم أصنامها، فتتخطفهم تلك القبائل، أو يتخطفهم أعداؤهم من وراء شبه الجزيرة دون أن تساندهم هذه القبائل. فيبين لهم أين يكون الأمن وأين يكون الخوف من واقعهم التاريخي، ومن حاضرهم الذي يشهدونه، بعد ما أبان لهم في هذه السورة عن ذلك في قصة موسى وفرعون. ويجول معهم جولة في مصارع الغابرين تكشف لهم كذلك عن أسباب الهلاك الحقيقة ممثلة في البطر وقلة الشكر والتكذيب بالرسل والإعراض عن الآيات. ثم جولة أخرى أبعد تكشف عن حقيقة القيم وتبدو فيها ضآلة الحياة الدنيا كلها ومتاعها إلى جوار ما عند الله.
«وَقالُوا: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا. أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا؟ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها، فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ. وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا، وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ. وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها، وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ؟ أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ؟» ..
إنها النظرة السطحية القريبة، والتصور الأرضي المحدود، هو الذي أوحى لقريش وهو الذي يوحي للناس أن اتباع هدى الله يعرضهم للمخافة، ويغري بهم الأعداء، ويفقدهم العون والنصير، ويعود عليهم بالفقر والبوار:
«وَقالُوا: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا» ..
فهم لا ينكرون أنه الهدى، ولكنهم يخافون أن يتخطفهم الناس. وهم ينسون الله، وينسون أنه وحده الحافظ، وأنه وحده الحامي وأن قوى الأرض كلها لا تملك أن تتخطفهم وهم في حمى الله وأن قوى الأرض كلها لا تملك أن تنصرهم إذا خذلهم الله. ذلك أن الإيمان لم يخالط قلوبهم، ولو خالطها لتبدلت نظرتهم للقوى، ولاختلف تقديرهم للأمور، ولعلموا أن الأمن لا يكون إلا في جوار الله، وأن الخوف لا يكون إلا في البعد عن هداه.
وأن هذا الهدى موصول بالقوة موصول بالعزة وأن هذا ليس وهما وليس قولا يقال لطمأنة القلوب إنما هو حقيقة عميقة منشؤها أن اتباع هدى الله معناه الاصطلاح مع ناموس الكون وقواه، والاستعانة بها وتسخيرها في الحياة. فالله خالق هذا الكون ومدبره وفق الناموس الذي ارتضاه له. والذي يتبع هدى الله يستمد مما في هذا الكون من قوى غير محدودة، ويأوي إلى ركن شديد، في واقع الحياة.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2703
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست