responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2701
الذي آمنت به ما يصيبها من أذى وتطاول من الجهلاء، وتصبر على الحق في وجه الأهواء ووجه الإيذاء.
«الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ» ..
وهذه إحدى الآيات على صحته، فالكتاب كله من عند الله، فهو متطابق، من أوتي أوله عرف الحق في آخره، فاطمأن له، وآمن به، وعلم أنه من عند الله الذي نزل الكتاب كله.
«وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا: آمَنَّا بِهِ. إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا. إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ» ..
فهو من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى أكثر من تلاوته فيعرف الذين عرفوا الحق من قبل أنه من ذلك المعين، وأنه صادر من ذلك المصدر الواحد الذي لا يكذب. «إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا» .. «إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ» .
والإسلام لله هو دين المؤمنين بكل دين.
هؤلاء الذين أسلموا لله من قبل، ثم صدقوا بالقرآن بمجرد سماعه:
«أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا» ..
الصبر على الإسلام الخالص. إسلام القلب والوجه. ومغالبة الهوى والشهوة. والاستقامة على الدين في الأولى والآخرة. أولئك يؤتون أجرهم مرتين، جزاء على ذلك الصبر، وهو عسير على النفوس، وأعسر الصبر ما كان على الهوى والشهوة والالتواء والانحراف. وهؤلاء صبروا عليها جميعا، وصبروا على السخرية والإيذاء كما سبقت الرواية، وكما يقع دائما للمستقيمين على دينهم في المجتمعات المنحرفة الضالة الجاهلة في كل زمان ومكان:
«وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» ..
وهذا هو الصبر كذلك. وهو أشد مؤنة من مجرد الصبر على الإيذاء والسخرية. إنه الاستعلاء على كبرياء النفس، ورغبتها في دفع السخرية، ورد الأذى، والشفاء من الغيظ، والبرد بالانتقام! ثم درجة أخرى بعد ذلك كله. درجة السماحة الراضية. التي ترد القبيح بالجميل وتقابل الجاهل الساخر بالطمأنينة والهدوء وبالرحمة والإحسان وهو أفق من العظمة لا يبلغه إلا المؤمنون الذين يعاملون الله فيرضاهم ويرضونه، فيلقون ما يلقون من الناس راضين مطمئنين.
«وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» ..
وكأنما أراد أن يذكر سماحة نفوسهم بالمال، عقب ذكره لسماحة نفوسهم بالإحسان. فهما من منبع واحد:
منبع الاستعلاء على شهوة النفس، والاعتزاز بما هو أكبر من قيم الأرض. الأولى في النفس، والثانية في المال.
وكثيرا ما يردان متلازمين في القرآن.
وصفة أخرى من صفة النفوس المؤمنة الصابرة على الإسلام الخالصة للعقيدة:
«وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقالُوا: لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ. لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» ..
واللغو فارغ الحديث، الذي لا طائل تحته، ولا حاصل وراءه. وهو الهذر الذي يقتل الوقت دون أن يضيف إلى القلب أو العقل زادا جديدا، ولا معرفة مفيدة. وهو البذيء من القول الذي يفسد الحس واللسان، سواء:
أوجه إلى مخاطب أم حكي عن غائب.
والقلوب المؤمنة لا تلغو ذلك اللغو، ولا تستمع إلى ذاك الهذر، ولا تعنى بهذا البذاء. فهي مشغولة بتكاليف الإيمان، مرتفعة بأشواقه، متطهرة بنوره:
«وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2701
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست