نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2699
«وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، فَيَقُولُوا: رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا، فَنَتَّبِعَ آياتِكَ، وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ!» ..
كذلك كانوا سيقولون لو لم يأتهم رسول. ولو لم يكن مع هذا الرسول من الآيات ما يلزم الحجة. ولكنهم حين جاءهم الرسول، ومعه الحق الذي لا مرية فيه لم يتبعوه:
«فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا: لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى! أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ قالُوا: سِحْرانِ تَظاهَرا، وَقالُوا: إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ» ..
وهكذا لم يذعنوا للحق، واستمسكوا بالتعللات الباطلة: «قالُوا: لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى» إما من الخوارق المادية، وإما من الألواح التي نزلت عليه جملة، وفيها التوراة كاملة.
ولكنهم لم يكونوا صادقين في حجتهم، ولا مخلصين في اعتراضهم: «أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟» ولقد كان في الجزيرة يهود، وكان معهم التوراة، فلم يؤمن لهم العرب، ولم يصدقوا بما بين أيديهم من التوراة.
ولقد علموا أن صفة محمد- صلّى الله عليه وسلّم- مكتوبة في التوراة، واستفتوا بعض أهل الكتاب فيما جاءهم به فأفتوهم بما يفيد أنه مطابق لما بين أيديهم من الكتاب فلم يذعنوا لهذا كله، وادعوا أن التوراة سحر، وأن القرآن سحر، وأنهما من أجل هذا يتطابقان، ويصدق أحدهما الآخر:
«قالُوا: سِحْرانِ تَظاهَرا. وَقالُوا: إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ» ! فهو المراء إذن واللجاجة، لا طلب الحق ولا نقصان البراهين، ولا ضعف الدليل.
ومع هذا فهو يسير معهم خطوة أخرى في الإفحام والإحراج. يقول لهم: إن لم يكن يعجبكم القرآن، ولم تكن تعجبكم التوراة فإن كان عندكم من كتب الله ما هو أهدى من التوراة والقرآن فأتوا به أتبعه:
«قُلْ: فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ! وهذه نهاية الإنصاف، وغاية المطاولة بالحجة، فمن لم يجنح إلى الحق بعد هذا فهو ذو الهوى المكابر، الذي لا يستند إلى دليل:
«فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ، فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ..
إن الحق في هذا القرآن لبين وإن حجة هذا الدين لواضحة، فما يتخلف عنه أحد يعلمه إلا أن يكون الهوى هو الذي يصده. وإنهما لطريقان لا ثالث لهما: إما إخلاص للحق وخلوص من الهوى، وعندئذ لا بد من الإيمان والتسليم. وإما مماراة في الحق واتباع للهوى فهو التكذيب والشقاق. ولا حجة من غموض في العقيدة، أو ضعف في الحجة، أو نقص في الدليل. كما يدعي أصحاب الهوى المغرضون.
«فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ» ..
وهكذا جزما وقطعا. كلمة من الله لا راد لها ولا معقب عليها.. إن الذين لا يستجيبون لهذا الدين مغرضون غير معذورين. متجنون لا حجة لهم ولا معذرة، متبعون للهوى، معرضون عن الحق الواضح:
«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ؟» ..
وهم في هذا ظالمون باغون:
«إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2699