نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2689
«قالَ: ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ. أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ. وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ» .
إن مواضع العقد وشروط التعاقد لا مجال للغموض فيها، ولا اللعثمة، ولا الحياء. ومن ثم يقر موسى العرض، ويبرم العقد، على ما عرض الشيخ من الشروط. ثم يقرر هذا ويوضحه: «أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ» .. سواء قضيت ثماني سنوات أو أتممت عشرا، فلا عدوان في تكاليف العمل، ولا عدوان في تحتيم العشر فالزيادة على الثمانية اختيار.. «وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ» . فهو الشهيد الموكل بالعدل بين المتعاقدين.
وكفى بالله وكيلا.
بين موسى- عليه السّلام- هذا البيان تمشيا مع استقامة فطرته، ووضوح شخصيته، وتوفية بواجب المتعاقدين في الدقة والوضوح والبيان. وهو ينوي أن يوفي بأفضل الأجلين كما فعل. فقد روي أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أخبر أنه: «قضى أكثرهما وأطيبهما» [1] .
وهكذا اطمأن بموسى- عليه السّلام- المقام في بيت حميه وقد أمن من فرعون وكيده. ولحكمة مقدرة في علم الله كان هذا الذي كان.. فلندع الآن هذه الحلقة تمضي في طريقها حتى تنقضي. فقد سكت السياق فيها عند هذا الحد وأسدل الستار..
وتمضي السنوات العشر التي تعاقد عليها موسى- عليه السّلام- لا يذكر عنها شيء في سياق السورة، ثم تعرض الحلقة الثالثة بعد ما قضى موسى الأجل وسار بأهله، عائدا من مدين إلى مصر، يسلك إليها الطريق الذي سلكه منذ عشر سنوات وحيدا طريدا. ولكن جو العودة غير جو الرحلة الأولى.. إنه عائد ليتلقى في الطريق ما لم يخطر له على بال. ليناديه ربه ويكلمه، ويكلفه النهوض بالمهمة التي من أجلها وقاه ورعاه، وعلمه ورباه. مهمة الرسالة إلى فرعون وملئه، ليطلق له بني إسرائيل يعبدون ربهم لا يشركون به أحدا ويرثون الأرض التي وعدهم ليمكن لهم فيها ثم ليكون لفرعون وهامان وجنودهما عدوا وحزنا، ولتكون نهايتهم على يديه كما وعد الله حقا:
«فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً، قالَ لِأَهْلِهِ: امْكُثُوا، إِنِّي آنَسْتُ ناراً، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ: أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ، فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ، يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ، إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ. اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ. قالَ: رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ. وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً، فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ. قالَ: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما. بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ» ..
وقبل أن نستعرض هذين المشهدين في هذه الحلقة نقف قليلا أمام تدبير الله لموسى- عليه السّلام- في هذه السنوات العشر، وفي هذه الرحلة ذهابا وجيئة، في هذا الطريق..
لقد نقلت يد القدرة خطى موسى- عليه السّلام- خطوة خطوة. منذ أن كان رضيعا في المهد حتى هذه [1] أخرجه البخاري.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2689