responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2687
لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا»
. فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح لا التلجلج والتعثر والربكة. وذلك كذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة. فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب. الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب، ولا تزيد.
وينهي السياق هذا المشهد فلا يزيد عليه، ولا يفسح المجال لغير الدعوة من الفتاة، والاستجابة من موسى.
ثم إذا مشهد اللقاء بينه وبين الشيخ الكبير. الذي لم ينص على اسمه. وقيل: إنه ابن أخي شعيب النبي المعروف.
وإن اسمه يثرون [1] .
«فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ، قالَ: لا تَخَفْ. نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ..
فقد كان موسى في حاجة إلى الأمن كما كان في حاجة إلى الطعام والشراب. ولكن حاجة نفسه إلى الأمن كانت أشد من حاجة جسمه إلى الزاد. ومن ثم أبرز السياق في مشهد اللقاء قول الشيخ الوقور: «لا تَخَفْ» فجعلها أول لفظ يعقب به على قصصه ليلقي في قلبه الطمأنينة، ويشعره بالأمان. ثم بين وعلل: «نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» فلا سلطان لهم على مدين، ولا يصلون لمن فيها بأذى ولا ضرار.
ثم نسمع في المشهد صوت الأنوثة المستقيمة السليمة:
«قالَتْ إِحْداهُما: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ. إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» .
إنها وأختها تعانيان من رعي الغنم، ومن مزاحمة الرجال على الماء، ومن الاحتكاك الذي لا بد منه للمرأة التي تزاول أعمال الرجال. وهي تتأذى وأختها من هذا كله وتريد أن تكون امرأة تأوي إلى بيت امرأة عفيفة مستورة لا تحتك بالرجال الغرباء في المرعى والمسقى. والمرأة العفيفة الروح، النظيفة القلب، السليمة الفطرة، لا تستريح لمزاحمة الرجال، ولا للتبذل الناشئ من هذه المزاحمة.
وها هو ذا شاب غريب طريد وهو في الوقت ذاته قوى أمين. رأت من قوته ما يهابه الرعاء فيفسحون له الطريق ويسقي لهما. وهو غريب. والغريب ضعيف مهما اشتد. ورأت من أمانته ما يجعله عف اللسان والنظر حين توجهت لدعوته. فهي تشير على أبيها باستئجاره ليكفيها وأختها مؤنة العمل والاحتكاك والتبذل. وهو قوي على العمل، أمين على المال. فالأمين على العرض هكذا أمين على ما سواه. وهي لا تتلعثم في هذه الإشارة ولا تضطرب، ولا تخشى سوء الظن والتهمة. فهي بريئة النفس، نظيفة الحس ومن ثم لا تخشى شيئا، ولا تتمم ولا تجمجم وهي تعرض اقتراحها على أبيها.
ولا حاجة لكل ما رواه المفسرون من دلائل قوة موسى. كرفع الحجر الذي يغطي البئر وكان لا يرفعه- فيما قالوا- إلا عشرون أو أربعون أو أكثر أو أقل. فالبئر لم يكن مغطى، إنما كان الرعاء يسقون فنحاهم وسقى للمرأتين، أو سقى لهما مع الرعاء.

[1] سبق أن قلت مرة في الظلال: إن هذا الرجل هو شعيب. وقلت مرة: إنه قد يكون النبي شعيبا أو لا يكون.. وأنا الآن أميل إلى ترجيح أنه ليس هو وإنما هو شيخ آخر من مدين. والذي يحمل على هذا الترجيح أن هذا الرجل شيخ كبير. وشعيب شهد مهلك قومه، المكذبين له، ولم يبق معه إلا المؤمنون به. فلو كان هو شعيب- النبي- بين بقية قومه المؤمنين، ما سقوا قبل بنتي نبيهم الشيخ الكبير. فليس هذا سلوك قوم مؤمنين، ولا معاملتهم لنبيهم وبناته من أول جيل! يضاف إلى هذا أن القرآن لم يذكر شيئا عن تعليمه لموسى صهره. ولو كان شعيبا النبي لسمعنا صوت النبوة في شيء من هذا مع موسى وقد عاش معه عشر سنوات.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2687
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست