responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2685
فرعون أن موسى هو صاحبها. فهنا فجوة في السياق بعد المشهد السابق. ثم إذا مشهد جديد. رجل يجيء إلى موسى من أقصى المدينة، يحذره ائتمار الملأ من قوم فرعون به، وينصح بالهرب من المدينة إبقاء على حياته:
«وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى. قالَ: يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ. فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ» ..
إنها يد القدرة تسفر في اللحظة المطلوبة، لتتم مشيئتها! لقد عرف الملأ من قوم فرعون، وهم رجال حاشيته وحكومته والمقربون إليه أنها فعلة موسى. وما من شك أنهم أحسوا فيها بشبح الخطر. فهي فعلة طابعها الثورة والتمرد، والانتصار لبني إسرائيل. وإذن فهي ظاهرة خطيرة تستحق التآمر. ولو كانت جريمة قتل عادية ما استحقت أن يشتغل بها فرعون والملأ والكبراء.
فانتدبت يد القدرة واحدا من الملأ. الأرجح أنه الرجل المؤمن من آل فرعون الذي يكتم إيمانه، والذي جاء ذكره في سورة (غافر) [1] انتدبته ليسعى إلى موسى «مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ» في جد واهتمام ومسارعة، ليبلغه قبل أن يبلغه رجال الملك: «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ» ..
«فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ. قالَ: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ..
ومرة أخرى نلمح السمة الواضحة في الشخصية الانفعالية. التوفز والتلفت. ونلمح معها، التوجه المباشر بالطلب إلى الله، والتطلع إلى حمايته ورعايته، والالتجاء إلى حماه في المخافة، وترقب الأمن عنده والنجاة:
«رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ..
ثم يتبعه السياق خارجا من المدينة، خائفا يترقب، وحيدا فريدا، غير مزود إلا بالاعتماد على مولاه والتوجه إليه طالبا عونه وهداه:
«وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ» ..
ونلمح شخصية موسى- عليه السّلام- فريدا وحيدا مطاردا في الطرق الصحراوية في اتجاه مدين في جنوبي الشام وشمالي الحجاز. مسافات شاسعة، وأبعاد مترامية، لا زاد ولا استعداد، فقد خرج من المدينة خائفا يترقب، وخرج منزعجا بنذارة الرجل الناصح، لم يتلبث، ولم يتزود ولم يتخذ دليلا. ونلمح إلى جانب هذا نفسه متوجهة إلى ربه، مستسلمة له، متطلعة إلى هداه: «عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ» ..
ومرة أخرى نجد موسى- عليه السّلام- في قلب المخافة، بعد فترة من الأمن. بل من الرفاهية والطراءة والنعمى. ونجده وحيدا مجردا من قوى الأرض الظاهرة جميعا، يطارده فرعون وجنده، ويبحثون عنه في كل مكان، لينالوا منه اليوم ما لم ينالوه منه طفلا. ولكن اليد التي رعته وحمته هناك ترعاه وتحميه هنا، ولا تسلمه لأعدائه أبدا. فها هو ذا يقطع الطريق الطويل، ويصل إلى حيث لا تمتد إليه اليد الباطشة بالسوء:
«وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ، وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ، وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ. قالَ: ما خَطْبُكُما؟ قالَتا: لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ، وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ. فَسَقى لَهُما، ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ، فَقالَ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» ..
لقد انتهى به السفر الشاق الطويل إلى ماء لمدين. وصل إليه وهو مجهود مكدود. وإذا هو يطلع على مشهد لا تستريح إليه النفس ذات المروءة، السليمة الفطرة، كنفس موسى- عليه السّلام- وجد الرعاة الرجال يوردون

[1] «وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله» الآية (28) .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2685
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست