responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2676
فهذا الكتاب المبين ليس إذن من عمل البشر، وهم لا يستطيعونه إنما هو الوحي الذي يتلوه الله على عبده، ويبدو فيه إعجاز صنعته، كما يبدو فيه طابع الحق المميز لهذه الصنعة في الكبير والصغير:
«نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ..
فإلى القوم المؤمنين يوجه هذا الكتاب يربيهم به وينشئهم ويرسم لهم المنهاج، ويشق لهم الطريق. وهذا القصص المتلو في السورة، مقصود به أولئك المؤمنين، وهم به ينتفعون.
وهذه التلاوة المباشرة من الله، تلقي ظلال العناية والاهتمام بالمؤمنين وتشعرهم بقيمتهم العظيمة ومنزلتهم العالية الرفيعة. وكيف؟ والله ذو الجلال يتلو على رسوله الكتاب من أجلهم، ولهم بصفتهم هذه التي تؤهلهم لتلك العناية الكريمة: «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
وبعد هذا الافتتاح يبدأ في عرض النبأ. نبأ موسى وفرعون. يبدأ في عرضه منذ أول حلقة في القصة- حلقة ميلاده- ولا تبدأ مثل هذا البدء في أية سورة أخرى من السور الكثيرة التي وردت فيها. ذلك أن الحلقة الأولى من قصة موسى، والظروف القاسية التي ولد فيها وتجرده في طفولته من كل قوة ومن كل حيلة وضعف قومه واستذلالهم في يد فرعون.. ذلك كله هو الذي يؤدي هدف السورة الرئيسي ويبرز يد القدرة سافرة متحدية تعمل وحدها بدون ستار من البشر وتضرب الظلم والطغيان والبغي ضربة مباشرة عند ما يعجز عن ضربها البشر وتنصر المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة وتمكن للمعذبين الذين لا حيلة لهم ولا وقاية.
وهو المعنى الذي كانت القلة المسلمة المستضعفة في مكة في حاجة إلى تقريره وتثبيته وكانت الكثرة المشركة الباغية الطاغية في حاجة إلى معرفته واستيقانه.
ولقد كانت قصة موسى- عليه السّلام- تبدأ غالبا في السور الأخرى من حلقة الرسالة- لا من حلقة الميلاد- حيث يقف الإيمان القوي في وجه الطغيان الباغي ثم ينتصر الإيمان وينخذل الطغيان في النهاية. فأما هنا فليس هذا المعنى هو المقصود إنما المقصود أن الشرّ حين يتمحض يحمل سبب هلاكه في ذاته والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر بل تتدخل يد القدرة وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم، فتنقذهم وتستنقذ عناصر الخير فيهم، وتربيهم، وتجعلهم أئمة، وتجعلهم الوارثين.
فهذا هو الغرض من سوق القصة في هذه السورة ومن ثم عرضت من الحلقة التي تؤدي هذا الغرض وتبرزه، والقصة في القرآن تخضع في طريقة عرضها للغرض المراد من هذا العرض. فهي أداة تربية للنفوس، ووسيلة تقرير لمعان وحقائق ومبادئ. وهي تتناسق في هذا مع السياق الذي تعرض فيه، وتتعاون في بناء القلوب، وبناء الحقائق التي تعمر هذه القلوب.
والحلقات المعروضة من القصة هنا هي: حلقة مولد موسى- عليه السّلام- وما أحاط بهذا المولد من ظروف قاسية في ظاهرها، وما صاحبه من رعاية الله وعنايته. وحلقة فتوته وما آتاه الله من الحكم والعلم، وما وقع فيها من قتل القبطي، وتآمر فرعون وملئه عليه، وهربه من مصر إلى أرض مدين، وزواجه فيها، وقضاء سنوات الخدمة بها. وحلقة النداء والتكليف بالرسالة. ثم مواجهة فرعون وملئه وتكذيبهم لموسى وهارون.
والعاقبة الأخيرة- الغرق- مختصرة سريعة.
ولقد أطال السياق في عرض الحلقة الأولى والحلقة الثانية- وهما الحلقتان الجديدتان في القصة في هذه السورة- لأنهما تكشفان عن تحدي القدرة السافرة للطغيان الباغي. وفيها يتجلى عجز قوة فرعون وحيلته وحذره عن دفع القدر المحتوم والقضاء النافذ: «وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ» .

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2676
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست