responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2665
بين هؤلاء جميعا. وقال عن المسيح: إنه كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه وإنه بشر.. «إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ» . وكان هذا فصل الخطاب فيما كانوا فيه يختلفون.
واختلفوا في مسألة صلبه مثل هذا الاختلاف. منهم من قال: إنه صلب حتى مات ودفن ثم قام من قبره بعد ثلاثة أيام وارتفع إلى السماء. ومنهم من قال: إن يهوذا أحد حوارييه الذي خانه ودل عليه ألقى عليه شبه المسيح وصلب. ومنهم من قال: ألقي شبهه على الحواري سيمون وأخذ به.. وقص القرآن الكريم الخبر اليقين فقال: «وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» وقال: «يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ..»
وكانت كلمة الفصل في ذلك الخلاف.
ومن قبل حرف اليهود التوراة وعدلوا تشريعاتها الإلهية فجاء القرآن الكريم يثبت الأصل الذي أنزله الله: «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» ..
وحدثهم حديث الصدق عن تاريخهم وأنبيائهم، مجردا من الأساطير الكثيرة التي اختلفت فيها رواياتهم، مطهرا من الأقذار التي ألصقتها هذه الروايات بالأنبياء، والتي لم يكد نبي من أنبياء بني إسرائيل يخرج منها نظيفا! .. إبراهيم- بزعمهم- قدم امرأته لأبيمالك ملك الفلسطينيين، وإلى فرعون ملك مصر باسم أنها أخته لعله ينال بسببها نعمة في أعينهما! ويعقوب الذي هو إسرائيل أخذ بركة جده إبراهيم من والده إسحاق بطريق السرقة والحيلة والكذب وكانت بزعمهم هذه البركة لأخيه الأكبر عيصو! ولوط- بزعمهم- أسكرته بنتاه كل منهما ليلة ليضطجع معها لتنجب منه كي لا يذهب مال أبيها إذ لم يكن له وارث ذكر. وكان ما أرادتا! وداود رأى من سطوح قصره امرأة جميلة عرف أنها زوجة أحد جنده، فأرسل هذا الجندي إلى المهالك ليفوز- بزعمهم- بامرأته! وسليمان مال إلى عبادة (بغل) بزعمهم. مجاراة لإحدى نسائه التي كان يعشقها ولا يملك معارضتها! وقد جاء القرآن فطهر صفحات هؤلاء الرسل الكرام مما لوثتهم به الأساطير الإسرائيلية التي أضافوها إلى التوراة المنزلة، كما صحح تلك الأساطير عن عيسى ابن مريم- عليه السّلام.
وهذا القرآن المهيمن على الكتب قبله الذي يفصل في خلافات القوم فيها، ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه هو الذي يجادل فيه المشركون، وهو الحكم الفصل بين المتجادلين! «وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» ..
«لَهُدىً» يقيهم من الاختلاف والضلال، ويوحد المنهج، ويعين الطريق، ويصلهم بالسنن الكونية الكبرى التي لا تختلف ولا تحيد، «وَرَحْمَةٌ» يرحمهم من الشك والقلق والحيرة، والتخبط بين المناهج والنظريات التي لا تثبت على حال ويصلهم بالله يطمئنون إلى جواره ويسكنون إلى كنفه، ويعيشون في سلام مع أنفسهم ومع الناس من حولهم، وينتهون إلى رضوان الله وثوابه الجزيل.
والمنهج القرآني منهج فريد في إعادة إنشاء النفوس، وتركيبها وفق نسق الفطرة الخالصة حيث تجدها متسقة مع الكون الذي تعيش فيه، متمشية مع السنن التي تحكم هذا الكون- في يسر وبساطة، بلا تكلف ولا تعمل.
ومن ثم تستشعر في أعماقها السّلام والطمأنينة الكبرى لأنها تعيش في كون لا تصطدم مع قوانينه وسننه ولا تعاديه ولا يعاديها متى اهتدت إلى مواضع اتصالها به، وعرفت أن ناموسها هو ناموسه. وهذا التناسق بين النفس والكون، وذلك السّلام الأكبر بين القلب البشري والوجود الأكبر ينبع منه السّلام بين الجماعة، والسّلام بين

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2665
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست