responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2655
بين يدي رحمته؟ من يبدأ الخلق ثم يعيده؟ من يرزقكم من السماء والأرض؟ وفي كل مرة يقرعهم: أإله مع الله؟ وهم لا يملكون أن يدعوا هذه الدعوى. لا يملكون أن يقولوا: إن إلها مع الله يفعل من هذا كله شيئا وهم مع هذا يعبدون أربابا من دون الله! وعقب هذه الإيقاعات القوية التي تقتحم القلوب، لأنها إيقاعات كونية تملأ صفحة الوجود من حولهم، أو إيقاعات وجدانية يحسونها في قلوبهم.. يستعرض تكذيبهم بالآخرة، وتخبطهم في أمرها، ويعقب عليه بتوجيه قلوبهم إلى مصارع الغابرين الذين كانوا مثلهم يكذبون ويتخبطون.
ويخلص من هذا إلى عرض مشهد الحشر وما فيه من هول ومن فزع. ويرجع بهم في ومضة خاطفة إلى الأرض، ثم يردهم إلى مشهد الحشر. وكأنما يهز قلوبهم هزا ويرجها رجا..
وفي نهاية الجولة يجيء الختام أشبه بالإيقاع الأخير عميقا رهيبا.. ينفض رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يده من أمر المشركين المستهزئين بالوعيد، المكذبين بالآخرة، وقد وجه قلوبهم إلى مشاهد الكون وأهوال الحشر، وعواقب الطائعين والعصاة- ويتركهم إلى مصيرهم الذي يختارون ويحدد منهجه ووسيلته ولمن شاء أن يختار:
«إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ. فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ: إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ» ..
ثم يختم الجولة كما بدأها بحمد الله الذي يستأهل الحمد وحده ويكلهم إلى الله يريهم آياته ويطلع على أعمالهم ما ظهر منها وما بطن:
«وَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها. وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ..
وتختم السورة بهذا الإيقاع المؤثر العميق.
«قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى. آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ؟» ..
يأمر الله رسوله- صلّى الله عليه وسلّم- أن يقول الكلمة التي تليق أن يفتتح بها المؤمن حديثه ودعوته وجداله، وأن يختمه كذلك: «قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» .. المستحق للحمد من عباده على آلائه، وفي أولها هدايتهم إليه، وإلى طريقه الذي يختاره، ومنهجه الذي يرضاه. «وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى» لحمل رسالته وتبليغ دعوته، وبيان منهجه.
وبعد هذا الافتتاح يأخذ في توقيعاته على القلوب المنكرة لآيات الله، مبتدئا بسؤال لا يحتمل إلا إجابة واحدة، يستنكر به أن يشركوا بالله هذه الآلهة المدعاة:
«آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ؟» ..
وما يشركون أصنام وأوثان، أو ملائكة وجن، أو خلق من خلق الله على أية حال، لا يرتقي أن يكون شبيها بالله- سبحانه- فضلا على أن يكون خيرا منه. ولا يخطر على قلب عاقل أن يعقد مقارنة أو موازنة. ومن ثم يبدو هذا السؤال بهذه الصيغة وكأنه تهكم محض، وتوبيخ صرف، لأنه غير قابل أن يوجه على سبيل الجد، أو أن يطلب عنه جواب! ومن ثم يعدل عنه إلى سؤال آخر، مستمد من واقع هذا الكون حولهم، ومن مشاهده التي يرونها بأعينهم:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2655
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست