نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2642
«فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي، لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ؟ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ» .
لقد لمست هذه المفاجأة الضخمة قلب سليمان- عليه السّلام- وراعه أن يحقق الله له مطالبه على هذا النحو المعجز واستشعر أن النعمة- على هذا النحو- ابتلاء ضخم مخيف يحتاج إلى يقظة منه ليجتازه، ويحتاج إلى عون من الله ليتقوى عليه ويحتاج إلى معرفة النعمة والشعور بفضل المنعم، ليعرف الله منه هذا الشعور فيتولاه. والله غني عن شكر الشاكرين، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، فينال من الله زيادة النعمة، وحسن المعونة على اجتياز الابتلاء. ومن كفر فإن الله «غَنِيٌّ» عن الشكر «كَرِيمٌ» يعطي عن كرم لا عن ارتقاب للشكر على العطاء.
وبعد هذه الانتفاضة أمام النعمة والشعور بما وراءها من الابتلاء يمضي سليمان- عليه السّلام- في تهيئة المفاجئات للملكة القادمة عما قليل:
«قالَ: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها. نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ» .
غيروا معالمه المميزة له، لنعرف إن كانت فراستها وفطنتها تهتدي إليه بعد هذا التنكير. أم يلبس عليها الأمر فلا تنفذ إلى معرفته من وراء هذا التغيير.
ولعل هذا كان اختبارا من سليمان لذكائها وتصرفها، في أثناء مفاجأتها بعرشها. ثم إذا مشهد الملكة ساعة الحضور:
«فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ: أَهكَذا عَرْشُكِ؟ قالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ» ..
إنها مفاجأة ضخمة لا تخطر للملكة على بال. فأين عرشها في مملكتها، وعليها أقفالها وحراسها.. أين هو من بيت المقدس مقر ملك سليمان؟ وكيف جيء به؟ ومن ذا الذي جاء به؟
ولكن العرش عرشها من وراء هذا التغيير والتنكير! ترى تنفي أنه هو بناء على تلك الملابسات؟ أم تراها تقول: إنه هو بناء على ما تراه فيه من أمارات؟ وقد انتهت إلى جواب ذكي أريب: «قالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ» لا تنفي ولا تثبت، وتدل على فراسة وبديهة في مواجهة المفاجأة العجيبة.
وهنا فجوة في السياق. فكأنما أخبرت بسر المفاجأة. فقالت: إنها استعدت للتسليم والإسلام من قبل.
أي منذ اعتزمت القدوم على سليمان بعد رد الهدية.
«وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ» ..
ثم يتدخل السياق القرآني لبيان ما كان قد منعها قبل ذلك من الإيمان بالله وصدها عن الإسلام عند ما جاءها كتاب سليمان فقد نشأت في قوم كافرين، فصدها عن عبادة الله عبادتها من دونه من خلقه، وهي الشمس كما جاء في أول القصة:
«وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ» ..
وكان سليمان- عليه السّلام- قد أعد للملكة مفاجأة أخرى، لم يكشف السياق عنها بعد، كما كشف عن المفاجأة الأولى قبل ذكر حضورها- وهذه طريقة أخرى في الأداء القرآني في القصة غير الطريقة الأولى [1] : [1] يراجع فصل القصة في القرآن في كتاب: التصوير الفني في القرآن. صفحة 148- 176 من الطبعة الثالثة. «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2642