نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2639
الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»
. والخبء: المخبوء إجمالا سواء أكان هو مطر السماء ونبات الأرض، أم كان هو أسرار السماوات والأرض. وهي كناية عن كل مخبوء وراء ستار الغيب في الكون العريض. «وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ» وهي مقابلة للخبء في السماوات والأرض بالخبء في أطواء النفس. ما ظهر منه وما بطن.
والهدهد إلى هذه اللحظة يقف موقف المذنب، الذي لم يقض الملك في أمره بعد فهو يلمح في ختام النبأ الذي يقصه، إلى الله الملك القهار، رب الجميع، صاحب العرش العظيم، الذي لا تقاس إليه عروش البشر. ذلك كي يطامن الملك من عظمته الإنسانية أمام هذه العظمة الإلهية:
«اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» ..
فيلمس قلب سليمان- في سياق التعقيب على صنع الملكة وقومها- بهذه الإشارة الخفية! ونجد أنفسنا أمام هدهد عجيب. صاحب إدراك وذكاء وإيمان، وبراعة في عرض النبأ، ويقظة إلى طبيعة موقفه، وتلميح وإيماء أريب.. فهو يدرك أن هذه ملكة وأن هؤلاء رعية. ويدرك أنهم يسجدون للشمس من دون الله. ويدرك أن السجود لا يكون إلا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، وأنه هو رب العرش العظيم.. وما هكذا تدرك الهداهد. إنما هو هدهد خاص أوتي هذا الإدراك الخاص، على سبيل الخارقة التي تخالف المألوف.
ولا يتسرع سليمان في تصديقه أو تكذيبه ولا يستخفه النبأ العظيم الذي جاءه به. إنما يأخذ في تجربته، للتأكد من صحته. شأن النبي العادل والملك الحازم:
«قالَ: سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ، فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ» .
ولا يعلن في هذا الموقف فحوى الكتاب، فيظل ما فيه مغلقا كالكتاب نفسه، حتى يفتح ويعلن هناك.
وتعرض المفاجأة الفنية في موعدها المناسب! ويستدل الستار على هذا المشهد ليرفع فإذا الملكة وقد وصل إليها الكتاب، وهي تستشير الملأ من قومها في هذا الأمر الخطير:
«قالَتْ: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» ..
فهي تخبرهم أنه ألقي إليها كتاب. ومن هذا نرجح أنها لم تعلم من ألقى إليها الكتاب، أو لا كيف ألقاه.
ولو كانت تعرف أن الهدهد هو الذي جاء به- كما تقول التفاسير- لأعلنت هذه العجيبة التي لا تقع كل يوم.
ولكنها قالت بصيغة المجهول. مما يجعلنا نرجح أنها لم تعلم كيف ألقي إليها ولا من ألقاه.
وهي تصف الكتاب بأنه «كريم» . وهذا الوصف ربما خطر لها من خاتمة أو شكله. أو من محتوياته التي أعلنت عنها للملأ: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» .. وهي كانت لا تعبد الله. ولكن صيت سليمان كان ذائعا في هذه الرقعة، ولغة الكتاب التي يحكيها القرآن فيها استعلاء وحزم وجزم. مما قد يوحي إليها بهذا الوصف الذي أعلنته.
وفحوى الكتاب في غاية البساطة والقوة. فهو مبدوء باسم الله الرحمن الرحيم. ومطلوب فيه أمر واحد:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2639