responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2627
ذي الجلال والإكرام، مرتفعة مشاعرهم إلى ذلك الأفق الوضيء، مشغولة خواطرهم بنجاء الله ودعائه والتوجه إليه في محضره العظيم.
ويؤتون الزكاة.. فيطهرون نفوسهم من رذيلة الشح ويستعلون بأرواحهم على فتنة المال ويصلون إخوانهم في الله ببعض ما رزقهم الله ويقومون بحق الجماعة المسلمة التي هم فيها أعضاء.
وهم بالآخرة هم يوقنون.. فإذا حساب الآخرة يشغل بالهم، ويصدهم عن جموح الشهوات، ويغمر أرواحهم بتقوى الله وخشيته والحياء من الوقوف بين يديه موقف العصاة.
هؤلاء المؤمنون الذاكرون الله، القائمون بتكاليفه، المشفقون من حسابه وعقابه، الطامعون في رضائه وثوابه..
هؤلاء هم الذين تنفتح قلوبهم للقرآن، فإذا هو هدى وبشرى. وإذا هو نور في أرواحهم، ودفعة في دمائهم، وحركة في حياتهم. وإذا هو زادهم الذي به يبلغون وريهم الذي به يشتفون.
وعند ذكر الآخرة يركز عليها ويؤكد في صورة التهديد والوعيد لمن لا يؤمنون بها، فيسدرون في غيهم، حتى يلاقوا مصيرهم الوخيم:
«إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ. أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ» ..
والإيمان بالآخرة هو الزمام الذي يكبح الشهوات والنزوات، ويضمن القصد والاعتدال في الحياة. والذي لا يعتقد بالآخرة لا يملك أن يحرم نفسه شهوة أو يكبح فيها نزوة، وهو يظن أن الفرصة الوحيدة المتاحة له للمتاع هي فرصة الحياة على هذا الكوكب، وهي قصيرة مهما طالت. وما تكاد تتسع لشيء من مطالب النفوس وأمانيها التي لا تنال! ثم ما الذي يمسكه حين يملك إرضاء شهواته ونزواته، وتحقيق لذاته ورغباته وهو لا يحسب حساب وقفة بين يدي الله ولا يتوقع ثوابا ولا عقابا يوم يقوم الأشهاد؟
ومن ثم يصبح كل تحقيق للشهوة واللذة مزينا للنفس التي لا تؤمن بالآخرة، تندفع إليه بلا معوق من تقوى أو حياء. والنفس مطبوعة على أن تحب ما يلذ لها، وأن تجده حسنا جميلا ما لم تهتد بآيات الله ورسالاته إلى الإيمان بعالم آخر باق بعد هذا العالم الفاني. فإذا هي تجد لذتها في أعمال أخرى وأشواق أخرى، تصغر إلى جوارها لذائذ البطون والأجسام! والله- سبحانه- هو الذي خلق النفس البشرية على هذا النحو وجعلها مستعدة للاهتداء إن تفتحت لدلائل الهدي، مستعدة للعماء إن طمست منافذ الإدراك فيها. ومشيئته نافذة- وفق سنته التي خلق النفس البشرية عليها- في حالتي الاهتداء والعماء. ومن ثم يقول القرآن عن الذين لا يؤمنون بالآخرة: «زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ» .. فهم لم يؤمنوا بالآخرة فنفذت سنة الله في أن تصبح أعمالهم وشهواتهم مزينة لهم حسنة عندهم..
وهذا هو معنى التزيين في هذا المقام. فهم يعمهون لا يرون ما فيها من شر وسوء. أو فهم حائرون لا يهتدون فيها إلى صواب.
والعاقبة معروفة لمن يزين له الشر والسوء: «أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ. وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ» ..
سواء كان سوء العذاب لهم في الدنيا أو في الآخرة، فالخسارة المطلقة في الآخرة، محققة جزاء وفاقا على الاندفاع في سوء الأعمال.
وتنتهي مقدمة السورة بإثبات المصدر الإلهي الذي يتنزل منه هذا القرآن على رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-:
«وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2627
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست