نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2571
جميعا، لتتوحد الرسالة الأخيرة، فلا تتفرق على ألسنة الرسل في القرى المتفرقة، وأعطاه القرآن ليجاهدهم به:
«فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً» ..
وإن في هذا القرآن من القوة والسلطان، والتأثير العميق، والجاذبية التي لا تقاوم، ما كان يهز قلوبهم هزا، ويزلزل أرواحهم زلزالا شديدا فيغالبون أثره بكل وسيلة فلا يستطيعون إلى ذلك سبيلا.
ولقد كان كبراء قريش يقولون للجماهير: «لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون» .. وكانت هذه المقالة تدل على الذعر الذي تضطرب به نفوسهم ونفوس أتباعهم من تأثير هذا القرآن وهم يرون هؤلاء الأتباع كأنما يسحرون بين عشية وضحاها من تأثير الآية والآيتين، والسورة والسورتين، يتلوهما محمد ابن عبد الله- صلّى الله عليه وسلّم- فتنقاد إليه النفوس، وتهوى إليه الأفئدة.
ولم يقل رؤساء قريش لأتباعهم وأشياعهم هذه المقالة، وهم في نجوة من تأثير هذا القرآن. فلولا أنهم أحسوا في أعماقهم هزة روعتهم ما أمروا هذا الأمر، وما أشاعوا في قومهم بهذا التحذير، الذي هو أدل من كل قول على عمق التأثير! قال ابن اسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حُدِّث: أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق بن عمر بن وهب الثقفي حليف بني زهرة.. خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وهو يصلي من الليل في بيته. فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبة، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتهم في نفسه شيئاً! ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة! ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض:
لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود! فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا.
«فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد. فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها، ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.
«قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف. أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء.
فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه!! «قال: فقام عنه الأخنس وتركه» .
فهكذا كانوا يغالبون أنفسهم أن تهفو إلى هذا القرآن فتغلبهم، لولا أن يتعاهدوا وهم يحسون ما يتهدد زعامتهم، لو اطلع عليهم الناس، وهم مأخوذون شبه مسحورين! وإن في القرآن من الحق الفطري البسيط، لما يصل القلب مباشرة بالنبع الأصيل، فيصعب أن يقف لهذا النبع الفوار، وأن يصد عنه تدفق التيار. وأن فيه من مشاهد القيامة، ومن القصص، ومن مشاهد الكون الناطقة، ومن مصارع الغابرين، ومن قوة التشخيص والتمثيل، لما يهز القلوب هزا لا تملك معه قرارا.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2571