responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2558
وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ، يَقُولُ: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يا وَيْلَتى! لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي، وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا»
..
إن المشركين لا يرجون لقاء الله، أي لا ينتظرون هذا اللقاء، ولا يحسبون حسابه، ولا يقيمون حياتهم وتصرفاتهم على أساسه. ومن ثم لا تستشعر قلوبهم وقار الله وهيبته وجلاله، فتنطلق ألسنتهم بكلمات وتصورات لا تصدر عن قلب يرجو لقاء الله.
«وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا!» ..
فقد كانوا يستبعدون أن يكون الرسول بشرا وكانوا يطلبون، لكي يؤمنوا بالعقيدة التي يدعوهم إليها، أن تنزل عليهم الملائكة تشهد بها، أو أن يروا الله سبحانه وتعالى فيصدقوا.. وهو تطاول على مقام الله سبحانه.
تطاول الجاهل المستهتر الذي لا يحس جلال الله في نفسه، ولا يقدر الله حق قدره. فمن هم حتى يتطاولوا هذا التطاول؟ من هم إلى جوار الله العظيم الجبار المتكبر؟ من هم وهم في ملك الله وخلقه كالذرة التائهة الصغيرة، إلا أن يربطوا أنفسهم بالله عن طريق الإيمان فيستمدوا منه قيمتهم.. ومن ثم يرد عليهم في نفس الآية قبل أن تنتهي، يكشف عن منبع هذا التطاول:
«لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً» ...
لقد عظم شأنهم في نظر أنفسهم، فاستكبروا وطغوا طغيانا كبيرا. لقد تضخم شعورهم بأنفسهم حتى شغلهم عن تقدير القيم الحقيقية ووزنها وزنا صحيحا. لقد عادوا ما يحسون إلا أنفسهم وقد كبرت في أعينهم وتضخمت وعظمت، حتى ليحسبونهم شيئا عظيما في هذا الكون يستحق أن يظهر لهم الله جل جلاله ليؤمنوا ويصدقوا! ثم يسخر منهم بصدق وحق، إذ يطلعهم على الهول الذي ينتظرهم يوم يرون الملائكة- ورؤية الملائكة هي أقل الطلبين تطاولا- فإنهم لا يرون الملائكة إلا في يوم عصيب هائل، ينتظرهم فيه العذاب الذي لا طاقة لهم به، ولا نجاة لهم منه. ذلك هو يوم الحساب والعقاب:
«يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ. وَيَقُولُونَ: حِجْراً مَحْجُوراً. وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً» ..
يوم يتحقق اقتراحهم الذي اقترحوه: «يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ» يومئذ لا يبشر المجرمون ولكن يعذبون.
فيالها من استجابة لما يقولون! يومئذ يقولون: «حِجْراً مَحْجُوراً» أي حراما محرما. وهي جملة اتقاء للشر وللأعداء كانوا يقولونها استبعادا لأعدائهم وتحرزا من أذاهم. وهي تجري في ذلك اليوم على ألسنتهم بحكم العادة من الذهول حين يفاجأون. ولكن أين هم اليوم مما كانوا يقولون! إن الدعاء لا يعصمهم ولا يمنعهم:
«وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً» ..
هكذا في لحظة. والخيال يتبع حركة القدوم المجسمة المتخيلة- على طريقة القرآن في التجسيم والتخييل [1] - وعملية الإثارة للأعمال، والتذرية في الهواء فإذا كل ما عملوا في الدنيا من عمل صالح هباء. ذلك أنه

[1] يراجع فصل التخييل الحسي والتجسيم في كتاب «التصوير الفني في القرآن» . ويراجع كتاب «مشاهد القيامة في القرآن» . «دار الشروق» . [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2558
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست