نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2544
هذه السورة المكية تبدو كلها وكأنها إيناس لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وتسرية، وتطمين له وتقوية وهو يواجه مشركي قريش، وعنادهم له، وتطاولهم عليه، وتعنتهم معه، وجدالهم بالباطل، ووقوفهم في وجه الهدي وصدهم عنه.
فهي في لمحة منها تصور الإيناس اللطيف الذي يحيط به الله عبده ورسوله وكأنما يمسح على آلامه ومتاعبه مسحا رفيقا ويهدهد قلبه، ويفيض عليه من الثقة والطمأنينة، وينسم عليه من أنسام الرعاية واللطف والمودة.
وهي في اللمحة الأخرى تصور المعركة العنيفة مع البشرية الضالة الجاحدة المشاقة لله ورسوله، وهي تجادل في عنف، وتشرد في جموح، وتتطاول في قحة، وتتعنت في عناد، وتجنح عن الهدى الواضح الناطق المبين.
إنها البشرية التي تقول عن هذا القرآن العظيم: «إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ» .. أو تقول:
«أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» والتي تقول عن محمد رسول الله الكريم: «إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً» .. أو تقول في استهزاء: «أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا؟» .. والتي لا تكتفي بهذا الضلال، فإذا هي تتطاول في فجور على ربها الكبير: «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ: اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا: وَمَا الرَّحْمنُ؟ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا؟ وَزادَهُمْ نُفُوراً» . أو تتعنت فتقول: «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا؟» .
وهي هي من قديم كما يرسمها سياق السورة من عهد نوح إلى موقفها هذا الأخير مع رسولها الأخير..
لقد اعترض القوم على بشرية الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- فقالوا: «ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا!» واعترضوا على حظه من المال، فقالوا: «أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها» .
واعترضوا على طريقة تنزيل القرآن فقالوا: «لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة!» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2544