نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2527
إنما هي العدالة المطلقة، التي لا يطيقها تشريع غير تشريع الله، ولا يحققها حكم غير حكمه.
من أجل ذلك كان الذين لا يرتضون حكم الله ورسوله هم الظالمون، الذين لا يريدون للعدالة أن تستقر ولا يحبون للحق أن يسود. فهم لا يخشون في حكم الله حيفا، ولا يرتابون في عدالته أصلا «بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» ..
فأما المؤمنون حقا فلهم أدب غير هذا مع الله ورسوله. ولهم قول آخر إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم هو القول الذي يليق بالمؤمنين وينبئ عن إشراق قلوبهم بالنور:
«إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ..
فهو السمع والطاعة بلا تردد ولا جدال ولا انحراف. السمع والطاعة المستمدان من الثقة المطلقة في أن حكم الله ورسوله هو الحكم وما عداه الهوى النابعان من التسليم المطلق لله، واهب الحياة، المتصرف فيها كيف يشاء ومن الاطمئنان إلى أن ما يشاؤه الله للناس خير مما يشاءونه لأنفسهم. فالله الذي خلق أعلم بمن خلق..
«وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» .. المفلحون لأن الله هو الذي يدبر أمورهم، وينظم علاقاتهم، ويحكم بينهم بعلمه وعدله فلا بد أن يكونوا خيرا ممن يدبر أمورهم، وينظم علاقاتهم، ويحكم بينهم بشر مثلهم، قاصرون لم يؤتوا من العلم إلا قليلا.. والمفلحون لأنهم مستقيمون على منهج واحد، لا عوج فيه ولا التواء، مطمئنون إلى هذا المنهج، ماضون فيه لا يتخبطون، فلا تتوزع طاقاتهم، ولا يمزقهم الهوى كل ممزق، ولا تقودهم الشهوات والأهواء. والنهج الإلهي أمامهم واضح مستقيم.
«وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ» ..
وقد كان الحديث في الآية السابقة عن الطاعة والتسليم في الأحكام. فالآن يتحدث عن الطاعة كافة في كل أمر أو نهي، مصحوبة هذه الطاعة بخشية الله وتقواه. والتقوى أعم من الخشية، فهي مراقبة الله والشعور به عند الصغيرة والكبيرة والتحرج من إتيان ما يكره توقيرا لذاته سبحانه، وإجلالا له، وحياء منه، إلى جانب الخوف والخشية.
ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون، الناجون في دنياهم وأخراهم. وعد الله ولن يخلف الله وعده. وهم للفوز أهل، ولديهم أسبابه من واقع حياتهم. فالطاعة لله ورسوله تقتضي السير على النهج القويم الذي رسمه الله للبشرية عن علم وحكمة، وهو بطبيعته يؤدي إلى الفوز في الدنيا والآخرة.
وخشية الله وتقواه هي الحارس الذي يكفل الاستقامة على النهج، وإغفال المغريات التي تهتف بهم على جانبيه، فلا ينحرفون ولا يلتفتون.
وأدب الطاعة لله ورسوله، مع خشية الله وتقواه، أدب رفيع، ينبئ عن مدى إشراق القلب بنور الله، واتصاله به، وشعوره بهيبته. كما ينبئ عن عزة القلب المؤمن واستعلائه. فكل طاعة لا ترتكن على طاعة الله ورسوله، ولا تستمد منها، هي ذلة يأباها الكريم، وينفر منها طبع المؤمن، ويستعلي عليها ضميره.
فالمؤمن الحق لا يحني رأسه إلا لله الواحد القهار.
وبعد هذه المقابلة بين حسن أدب المؤمنين، وسوء أدب المنافقين الذين يدعون الإيمان، وما هم بمؤمنين، بعد هذه المقابلة يعود إلى استكمال الحديث عن هؤلاء المنافقين:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2527