نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2490
«ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة [1] » لذلك يطلب شهادة أربعة عدول يقرون برؤية الفعل. أو اعترافا لا شبهة في صحته.
وقد يظن أن العقوبة إذن وهمية لا تردع أحدا، لأنها غير قابلة للتطبيق. ولكن الإسلام- كما ذكرنا- لا يقيم بناءه على العقوبة، بل على الوقاية من الأسباب الدافعة إلى الجريمة وعلى تهذيب النفوس، وتطهير الضمائر وعلى الحساسية التي يثيرها في القلوب، فتتحرج من الإقدام على جريمة تقطع ما بين فاعلها وبين الجماعة المسلمة من وشيجة. ولا يعاقب إلا المتبجحين بالجريمة، الذين يرتكبونها بطريقة فاضحة مستهترة فيراها الشهود. أو الذين يرغبون في التطهر بإقامة الحد عليهم كما وقع لما عز ولصاحبته الغامدية. وقد جاء كل منهما يطلب من النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يطهره بالحد، ويلح في ذلك، على الرغم من إعراض النبي مرارا حتى بلغ الإقرار أربع مرات. ولم يعد بد من إقامة الحد، لأنه بلغ إلى الرسول بصفة مستيقنة لا شبهة فيها. والرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول: «تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب» [2] فإذا وقع اليقين، وبلغ الأمر إلى الحاكم، فقد وجب الحد ولا هوادة، ولا رأفة في دين الله. فالرأفة بالزناة الجناة حينئذ هي قسوة على الجماعة، وعلى الآداب الإنسانية، وعلى الضمير البشري. وهي رأفة مصطنعة. فالله أرأف بعباده. وقد اختار لهم. وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم. والله أعلم بمصالح العباد، وأعرف بطبائعهم، فليس لمتشدق أن يتحدث عن قسوة العقوبة الظاهرية فهي أرأف مما ينتظر الجماعة التي يشيع فيها الزنا، وتفسد فيها الفطرة، وترتكس في الحمأة، وتنتكس إلى درك البهيمة الأولى..
والتشديد في عقوبة الزنا لا يغني وحده في صيانة حياة الجماعة، وتطهير الجو الذي تعيش فيه. والإسلام لا يعتمد على العقوبة في إنشاء الحياة النظيفة- كما قلنا- إنما يعتمد على الضمانات الوقائية وعلى تطهير جو الحياة كلها من رائحة الجريمة.
لذلك يعقب على حد الزنا بعزل الزناة عن جسم الأمة المسلمة. ثم يمضي في الطريق خطوة أخرى في استبعاد ظل الجريمة من جو الجماعة فيعاقب على قذف المحصنات واتهامهن دون دليل أكيد:
«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً. وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» ..
إن ترك الألسنة تلقي التهم على المحصنات- وهن العفيفات الحرائر ثيبات أو أبكارا- بدون دليل قاطع، يترك المجال فسيحا لكل من شاء أن يقذف بريئة أو بريئا بتلك التهمة النكراء ثم يمضي آمنا! فتصبح الجماعة وتمسي، وإذا أعراضها مجرحة، وسمعتها ملوثة وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام وإذا كل زوج فيها شاك في زوجه، وكل رجل فيها شاك في أصله، وكل بيت فيها مهدد بالانهيار.. وهي حالة من الشك والقلق والريبة لا تطاق.
ذلك إلى أن اطراد سماع التهم يوحي إلى النفوس المتحرجة من ارتكاب الفعلة أن جو الجماعة كله ملوث [1] أخرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها. [2] أخرجه أبو داود في كتاب الحدود (باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان) .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2490