نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2488
«الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ. إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» .
فهي الصرامة في إقامة الحد وعدم الرأفة في أخذ الفاعلين بجرمهما، وعدم تعطيل الحد أو الترفق في إقامته، تراخيا في دين الله وحقه. وإقامته في مشهد عام تحضره طائفة من المؤمنين، فيكون أوجع وأوقع في نفوس الفاعلين ونفوس المشاهدين.
ثم يزيد في تفظيع الفعلة وتبشيعها، فيقطع ما بين فاعليها وبين الجماعة المسلمة من وشيجة:
«الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ. وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» ..
وإذن فالذين يرتكبون هذه الفعلة لا يرتكبونها وهم مؤمنون. إنما يكونون في حالة نفسية بعيدة عن الإيمان وعن مشاعر الإيمان. وبعد ارتكابها لا ترتضي النفس المؤمنة أن ترتبط في نكاح مع نفس خرجت عن الإيمان بتلك الفعلة البشعة لأنها تنفر من هذا الرباط وتشمئز. حتى لقد ذهب الإمام أحمد إلى تحريم مثل هذا الرباط بين زان وعفيفة، وبين عفيف وزانية إلا أن تقع التوبة التي تطهر من ذلك الدنس المنفر. وعلى أية حال فالآية تفيد نفور طبع المؤمن من نكاح الزانية، ونفور طبع المؤمنة من نكاح الزاني واستبعاد وقوع هذا الرباط بلفظ التحريم الدال على شدة الاستبعاد: «وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» .. وبذلك تقطع الوشائج التي تربط هذا الصنف المدنس من الناس بالجماعة المسلمة الطاهرة النظيفة.
ورد في سبب نزول هذه الآية أن رجلا يقال له: مرثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة [1] . وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها: عناق. وكانت صديقة له. وأنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله. قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوئط مكة في ليلة مقمرة. قال: فجاءت عناق، فأبصرت سواد ظل تحت الحائط. فلما انتهت إليّ عرفتني. فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد! فقالت: مرحبا وأهلا. هلم فبت عندنا الليلة: قال: فقلت: يا عناق حرم الله الزنا. فقالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم. قال: فتبعني ثمانية، ودخلت الحديقة. فانتهيت إلى غار أو كهف، فدخلت، فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا، فظل بولهم على رأسي، فأعماهم الله عني. قال: ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ففككت عنه أحبله، فجعلت أحمله ويعينني حتى أتيت به المدينة فأتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله أنكح عناقا؟ - مرتين- فأمسك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يرد عليّ شيئا حتى نزلت «الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«يا مرثد. الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها» [2] .
فهذه الرواية تفيد تحريم نكاح المؤمن للزانية ما لم تتب، ونكاح المؤمنة للزاني كذلك. وهو ما أخذ به الإمام أحمد. ورأى غيره غير رأيه. والمسألة خلافية تطلب في كتب الفقه. وعلى أية حال فهي فعلة تعزل فاعلها عن الجماعة المسلمة وتقطع ما بينه وبينها من روابط. وهذه وحدها عقوبة اجتماعية أليمة كعقوبة الجلد أو أشد وقعا! [1] ربما يكون المقصود بالأسارى هنا ضعاف المؤمنين الذين لم يقدروا على الهجرة ممن أمسك بهم المشركون في مكة. [2] رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2488